اخبار التقنية

“أبل” و”ميتا” تواجهان توغل شركات التجسس في إدارة ترمب

في ظل تصاعد المخاوف الأمنية العالمية، أعلنت شركتا أبل وواتساب عن التزامهما المستمر بتحذير مستخدميهما – بما في ذلك داخل الولايات المتحدة – في حال تعرض هواتفهم لاستهداف حكومات تستخدم برامج التجسس متطورة. يأتي هذا الإعلان في وقت تشهد فيه الشركات الإسرائيلية، باراجون سوليوشنز و NSO Group، توسعًا في نفوذها داخل السوق الأمريكية، مدعومة بعلاقات متنامية مع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. هذه التطورات تثير تساؤلات حول الخصوصية والأمن الرقمي للمواطنين، وتستدعي تقييمًا دقيقًا للمخاطر المحتملة.

تزايد تهديد برامج التجسس: تحركات في السوق الأمريكية

كشفت صحيفة الجارديان البريطانية عن تحركات مكثفة لشركات تطوير برامج التجسس، والتي كانت تخضع لسنوات من الحظر والملاحقة القانونية، للدخول إلى السوق الأمريكية. هذا التحول يرجع إلى تغييرات في السياسات الحكومية وتحالفات جديدة، مما يفتح الباب أمام استخدام أدوات قرصنة متطورة داخل الولايات المتحدة.

صفقة باراجون المثيرة للجدل

أبرمت شركة باراجون سوليوشنز، مطورة برنامج التجسس Graphite، اتفاقية في سبتمبر الماضي مع إدارة ترامب، تمنح وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) حق الوصول إلى هذه الأداة القرصنية المعقدة. هذه الصفقة جاءت بعد رفع وزارة الأمن الداخلي الأمريكية الحظر عن عقد بقيمة مليوني دولار، كان قد علقته إدارة الرئيس بايدن في انتظار مراجعة قانونية.

كانت Paragon قد دخلت في اتفاق أولي مع وكالة الهجرة في عام 2024 خلال فترة إدارة بايدن، ولكن الصفقة لم تلاحظ من قبل البيت الأبيض حتى كشفت عنها مجلة Wired. بعد المراجعة، تم تعليق العقد مؤقتًا، قبل أن تقوم إدارة ترامب بإعادة تفعيله، مما سمح باستخدام Graphite على الأراضي الأمريكية.

واتساب تكشف عن استهداف مستخدميها ببرامج التجسس

واتهمت واتساب شركة باراجون سوليوشنز باستهداف عشرات المستخدمين، بمن فيهم صحافيون وأعضاء في المجتمع المدني، ببرامجها التجسسية. ورفضت الشركة الإسرائيلية الرد على طلبات التعليق من الجارديان، في حين أعرب أعضاء في الكونجرس عن قلقهم بشأن تداعيات هذه الاتفاقية.

السيناتور الديمقراطي رون وايدن، عضو لجنة الاستخبارات، صرح بأن “استخدام وكالة ICE لبرامج التجسس وتقنيات التعرف على الوجه يزيد المخاوف من انتهاكات حقوق الأمريكيين”، مؤكدًا أن الوكالة “تمارس سياسات تخرق الإجراءات القانونية وتضر بالأبرياء”.

فضائح Graphite في أوروبا

على عكس NSO Group التي واجهت اتهامات سابقة باستخدام برنامج Pegasus ضد الصحفيين والنشطاء، لم تكن Paragon متورطة في فضائح تجسس كبيرة حتى مطلع عام 2025. لكن في يناير 2025، أعلنت واتساب أنها رصدت هجومًا رقميًا استهدف حوالي 90 شخصًا، بمن فيهم صحفيون ونشطاء أوروبيون، باستخدام برنامج Graphite التابع لـ Paragon.

وكشفت التحقيقات أن أجهزة حكومية إيطالية استخدمت البرنامج، بينما نفت حكومة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني مسؤوليتها المباشرة عن عمليات الاختراق. ووصف رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماتيو رينزي القضية بأنها “فضيحة ووترجيت إيطالية”، معتبرًا أن “استخدام برنامج تجسس بهذه القوة ضد الصحفيين أمر غير مبرر في أي نظام ديمقراطي”. بعد انكشاف القضية، أنهت Paragon علاقتها مع الحكومة الإيطالية، متهمة إياها بانتهاك شروط الاستخدام.

عودة NSO Group إلى الواجهة

بالتوازي مع تحركات Paragon، أعلنت NSO Group – التي اتهمتها إدارة بايدن في عام 2021 بأنشطة تضر “بالأمن القومي والمصالح الخارجية للولايات المتحدة” – عن تعيين ديفيد فريدمان، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل خلال فترة ولاية ترامب الأولى، رئيسًا تنفيذيًا لمجلس إدارة الشركة القابضة التي تملك NSO.

هذه الخطوة تأتي بعد انتقال ملكية الشركة إلى مستثمرين أمريكيين، بمن فيهم المنتج السينمائي روبرت سيموندز، في إطار عملية إعادة هيكلة تهدف إلى إعادة تأهيل الشركة ورفع العقوبات الأمريكية. وعبر فريدمان عن أمله في رفع العقوبات المفروضة على NSO، مشيرًا إلى أن الوقت لا يزال مبكرًا لاتخاذ خطوات رسمية.

تجدر الإشارة إلى أن NSO Group تلقت ضربة قضائية في أكتوبر الماضي، حين قضت محكمة أمريكية لصالح واتساب في معركة قضائية استمرت ست سنوات، حيث أصدرت حكمًا يمنع NSO بشكل دائم من استهداف مستخدمي تطبيق التراسل حول العالم.

كيف تعمل برامج التجسس؟ وما هي المخاطر؟

تعتبر كل من Graphite و Pegasus من أبرز الأمثلة على التطورات في تقنيات التجسس الرقمي. هذه البرامج قادرة على اختراق الهواتف الذكية دون علم المستخدم، مما يسمح بالوصول إلى الرسائل النصية، والمكالمات، والموقع الجغرافي، بالإضافة إلى تشغيل الكاميرا والميكروفون عن بعد.

في حين تدعي الشركتان أن هذه البرامج مصممة للاستخدام في “مكافحة الجرائم الخطيرة والإرهاب”، إلا أن العديد من التقارير الحقوقية، مثل دراسات Citizen Lab، أكدت استخدامها في استهداف الصحفيين، والمعارضين السياسيين، والنشطاء حول العالم.

ردود الشركات والحكومات

أكدت أبل في بيان رسمي أن “إشعارات التهديد تهدف إلى تنبيه المستخدمين المعرضين لهجمات برامج التجسس المرتزقة، بغض النظر عن الموقع الجغرافي”. واتساب أكدت أن “أولوية الشركة هي حماية المستخدمين من خلال تعطيل محاولات الاختراق وبناء طبقات حماية جديدة، وتنبيه الأفراد الذين تعرضت أجهزتهم لمحاولات تجسس”.

مستقبل الأمن الرقمي: قلق متصاعد

أشار جون سكوت-رايلتون، الباحث البارز في Citizen Lab، إلى أن انتشار برامج التجسس التجارية يمثل “تهديدًا عالميًا صامتًا”، مؤكدًا أن “الولايات المتحدة ليست مستعدة بعد لمواجهة هذا النوع من التهديدات داخل حدودها”. وأضاف أن “آخر ما تحتاجه أمريكا الآن هو وباء صامت من التجسس الإلكتروني”.

المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، كريستوفر راي، أكد أمام الكونجرس أن المكتب اختبر برنامج Pegasus التابع لـ NSO، لكنه قرر عدم استخدامه بسبب التعقيدات القانونية المتعلقة باستخدام أدوات تجسس أجنبية ضد مواطنين أمريكيين.

في الختام، يظل التهديد المتزايد من برامج التجسس مصدر قلق بالغ، ويتطلب تعاونًا دوليًا وتعزيزًا للتشريعات لحماية الخصوصية والأمن الرقمي للمواطنين، وضمان عدم استخدام هذه الأدوات لتقويض الديمقراطية وحقوق الإنسان. يجب على المستخدمين أيضًا اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية أجهزتهم وبياناتهم الشخصية في ظل هذه التحديات الأمنية المتصاعدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى