الحكومة السودانية تعتبر إعلان الدعم السريع عن الهدنة “مناورة سياسية”

في خضمّ الأزمة السودانية المستمرة، أعلن قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، عن موافقته على هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، وهو ما قوبل بشكوك من الحكومة السودانية. هذا الإعلان، الذي يأتي استجابة لمبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يثير تساؤلات حول النوايا الحقيقية لقوات الدعم السريع، خاصةً في ظل الاتهامات الموجهة إليها بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق ضد المدنيين. يركز هذا المقال على تفاصيل هذا الإعلان وردود الفعل عليه، مع تحليل دوافع الأطراف المعنية وجهود الوساطة الدولية، والهدنة في السودان ككلمة مفتاحية رئيسية.
إعلان الهدنة الإنسانية: تفاصيل ومبادرة ترامب
أعلن محمد حمدان دقلو “حميدتي” عن الموافقة على هدنة إنسانية شاملة في السودان، تتضمن وقفاً كاملاً للأعمال العدائية لمدة ثلاثة أشهر. ويهدف هذا الإعلان، وفقاً لتصريحاته، إلى تمهيد الطريق لحل سياسي شامل للأزمة السودانية. كما اقترح تشكيل آلية ميدانية لمراقبة الهدنة، تضم دولاً من الرباعية (السعودية، مصر، الإمارات، الولايات المتحدة)، بالإضافة إلى الاتحاد الإفريقي وإيقاد (الهيئة الحكومية للتنمية).
هذه المبادرة جاءت استجابة لجهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعلن عن نيته التدخل في الملف السوداني بناءً على طلب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته لواشنطن. وتشير التقارير إلى أن الهدف الرئيسي من هذه الجهود هو تحقيق وقف إطلاق نار لمدة ثلاثة أشهر، بالتزامن مع إدخال المساعدات الإنسانية، وفتح قنوات للتفاوض السياسي.
رد فعل الحكومة السودانية: اتهامات بالمناورة السياسية
لم تلقَ مبادرة الهدنة الإنسانية قبولاً كاملاً من الحكومة السودانية. فقد وصف وزير الإعلام السوداني، خالد الإعيسر، إعلان حميدتي بأنه “مناورة سياسية مكشوفة”. وأشار الإعيسر إلى أن قوات الدعم السريع سبق وأن انتهكت الهدن المعلنة، مستغلةً فترات الهدوء لتمرير الأسلحة وتعزيز مواقعها العسكرية على حساب المدنيين.
وأضاف الوزير أن قوات الدعم السريع ارتكبت “جرائم شنيعة” بحق المدنيين، بما في ذلك حصارهم وتجويعهم وقصفهم بالطائرات المسيّرة في عدة مدن. واعتبر أن إعلان حميدتي هو مجرد محاولة جديدة لتضليل المجتمع الدولي وتلميع صورة قواته المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان. الأزمة في السودان تتفاقم، وتزداد الحاجة إلى حلول جذرية.
دور المجتمع الدولي والوساطة المستمرة
يشهد المجتمع الدولي تحركاً دبلوماسياً مكثفاً لوقف القتال في السودان وتخفيف المعاناة الإنسانية. وتلعب دول الرباعية والاتحاد الإفريقي وإيقاد دوراً محورياً في جهود الوساطة. وتشير المصادر إلى أن اجتماعاً عربياً أمريكياً سيعقد في واشنطن لمناقشة الأزمة السودانية، بحضور كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والإفريقية، مسعد بولس.
وتدعو الحكومة السودانية المجتمع الدولي إلى عدم الانجرار وراء “الخطاب المضلل” لقوات الدعم السريع، والضغط عليها لتنفيذ خارطة الطريق التي قدمها رئيس مجلس السيادة الانتقالي، والتي تعتبرها الخيار الأنسب لإنهاء الأزمة. الوضع الإنساني في السودان يثير قلقاً بالغاً، حيث يعاني الملايين من نقص الغذاء والدواء والماء.
اتفاق جدة وتحديات التنفيذ
يذكر أن محاولات سابقة لوقف إطلاق النار، مثل تلك التي جاءت في اتفاق جدة في مايو 2023، لم تسفر عن نتائج ملموسة. فقد التزم الجيش السوداني بالاتفاقات، بينما استغلت قوات الدعم السريع هذه الهدن لتحقيق مكاسب عسكرية. وهذا يطرح تساؤلات حول مدى جدية قوات الدعم السريع في الالتزام بالهدنة الجديدة، وما إذا كانت لديها نية حقيقية للمشاركة في عملية سياسية شاملة.
مخاوف من استمرار التصعيد
على الرغم من إعلان الهدنة، لا تزال هناك مخاوف من استمرار التصعيد العسكري في السودان. فقد شهدت عدة مدن اشتباكات متفرقة بعد الإعلان، مما يشير إلى أن الوضع على الأرض لا يزال متوتراً وهشاً. بالإضافة إلى ذلك، هناك تقارير عن تدفق الأسلحة والمعدات العسكرية إلى مناطق النزاع، مما قد يعيق جهود السلام.
آفاق المستقبل: نحو حل سياسي مستدام
إن تحقيق السلام في السودان يتطلب جهوداً متضافرة من جميع الأطراف المعنية، بالإضافة إلى دعم قوي من المجتمع الدولي. يجب على قوات الدعم السريع إثبات حسن نيتها من خلال الالتزام الفعلي بالهدنة، والتوقف عن استهداف المدنيين. كما يجب عليها المشاركة الجادة في عملية سياسية شاملة، تهدف إلى معالجة جذور الأزمة وتحقيق حكم ديمقراطي مستدام.
من الضروري أيضاً أن يركز المجتمع الدولي على تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للمتضررين من النزاع، وضمان وصول هذه المساعدات إلى المحتاجين. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي أن يدعم جهود الوساطة، وأن يمارس ضغوطاً على جميع الأطراف لوقف القتال والعودة إلى طاولة المفاوضات. إن مستقبل السودان يعتمد على قدرة الأطراف السودانية والمجتمع الدولي على العمل معاً لتحقيق السلام والاستقرار.












