من التعثر إلى إنتاج 60 مليون بيضة.. كيف أعاد الاستثمار الخاص الحياة لم

01:43 م
الثلاثاء 02 سبتمبر 2025
القليوبية – أسامة عبدالرحمن:
لم يكن مشروع “30 مليون بيضة” في الخانكة مجرد استثمار متوقف، بل رمزًا لمشروع وطني تعثر لسنوات طويلة وظل بعيدًا عن الخدمة رغم أهميته الاستراتيجية في دعم منظومة الأمن الغذائي، هذا التعثر لم يكن نهاية القصة، فمع توجيهات القيادة السياسية لإحياء المشروعات المتوقفة، تحركت وزارة التنمية المحلية ومحافظة القليوبية لإعادة تشغيل المشروع بالتعاون مع القطاع الخاص، وجاءت شركة “أبو دنقل للأسمدة والحبوب” لتضع خطة إعادة التأهيل والتشغيل على أسس علمية وإدارية حديثة، ما أعاد الأمل في استعادة دوره الحيوي، وفتح الطريق أمام مضاعفة إنتاجيته لتلبية احتياجات ملايين المواطنين من بيض المائدة.
من التعثر إلى الانطلاقة
لم يكن توقف المشروع نهاية قصته، بل بداية لمسار جديد نحو الإصلاح وإعادة البناء، فقد واجه المشروع عقبات مالية وإدارية حالت دون استمراره، إلا أن الجهود الحكومية أعادت رسم ملامحه من خلال إسناده إلى شركة “أبو دنقل للأسمدة والحبوب”، وهي إحدى الشركات الوطنية المتخصصة في المجال الزراعي والداجني، الشركة وضعت خطة إعادة تأهيل شاملة، تضمنت تحديث العنابر وتشغيلها بطاقة إنتاجية متدرجة، بدأت بـ51 ألف طائر أنتجوا نحو 12 ألف بيضة يوميًا في مرحلتها الأولى، على أن تصل الطاقة الكاملة إلى 60 مليون بيضة سنويًا خلال 6 إلى 7 أشهر فقط.
توقيع عقود جديدة وتوسعات استراتيجية
تزامن مع إعادة التشغيل توقيع ملحق عقد جديد بين محافظة القليوبية وشركة “أبو دنقل”، بحضور الدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية والقائمة بأعمال وزير البيئة، والمهندس أيمن عطية محافظ القليوبية، وعدد من قيادات الوزارة والمحافظة، العقد يتضمن إنشاء 6 عنابر إضافية للتربية والإنتاج، وإنشاء مصنع كرتون مخصص لتعبئة البيض، بالإضافة إلى وحدة لإنتاج الغاز الحيوي وميزان بسكول لضمان التكامل الكامل للمنظومة، هذه التوسعات من شأنها مضاعفة الإنتاج وتحقيق استدامة بيئية واقتصادية في آن واحد.
تصريحات المسؤولين
أكدت الوزيرة منال عوض أن المشروع يمثل إضافة حقيقية إلى منظومة الأمن الغذائي المصري، مشيرة إلى أنه سيساهم في استقرار الأسعار وتلبية الطلب المتزايد على بيض المائدة في محافظات القاهرة الكبرى والدلتا، وأضافت أن الدولة ملتزمة بدعم مثل هذه المشروعات الإنتاجية وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لرفع كفاءة الإدارة وضمان استدامة العائد.
من جانبه، أشاد المحافظ أيمن عطية بالشركة المنفذة، معتبرًا أن إعادة تشغيل المشروع يعكس قدرة الدولة على مواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص استثمارية ناجحة، وأوضح أن المحافظة تولي اهتمامًا كبيرًا بدعم القطاع الداجني عبر توفير البنية التحتية، مصانع الأعلاف، والخدمات البيطرية اللازمة للمربين.
أما صابر صلاح أبو دنقل، نائب رئيس مجلس إدارة الشركة، فأكد أن الشركة تسعى لتوسيع استثماراتها داخل القليوبية، مع توفير فرص عمل جديدة للشباب، وتدريب الكوادر المحلية، بالإضافة إلى إنشاء وحدة “بايوجاز” لتوفير الطاقة النظيفة وتحقيق البعد البيئي في المشروع.
البيانات الفنية للمشروع
يضم مشروع “30 مليون بيضة” بنية تحتية متكاملة تشمل: مصنعين أعلاف بطاقة إنتاجية تصل إلى 5 آلاف طن سنويًا لكل مصنع، 8 عنابر إنتاج وتربية بطاقة استيعابية تبلغ 22,500 طائر للعنبر الواحد، ومحطات فرز وتفريغ وغرف تخزين مجهزة بأحدث التقنيات، ومبانٍ إدارية وسكنية لخدمة العاملين وضمان التشغيل المستمر.
وبحسب بيانات مديرية الطب البيطري بالقليوبية، يعمل المشروع حاليًا بمحطة تربية تضم 51 ألف طائر في عمر 90 يومًا، إضافة إلى محطة إنتاج تضم 43 ألف طائر تنتج نحو 36 ألف بيضة يوميًا، مع توقع اكتمال الطاقة الكاملة بحلول مارس المقبل، كما يجري العمل على إنشاء منافذ بيع مباشرة لخدمة المواطنين بأسعار مناسبة.
الأبعاد الاستراتيجية للمشروع
يمثل “مشروع 30 مليون بيضة” إضافة نوعية إلى استراتيجية الدولة المصرية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية، وتقليل الاعتماد على الاستيراد. فمن المتوقع أن يسهم المشروع في تلبية الطلب المحلي، خاصة في القاهرة الكبرى والدلتا، ويعمل على استقرار الأسعار وضبط الأسواق، إلى جانب توفير فرص عمل جديدة للشباب، كما يعزز المشروع مفهوم التنمية المستدامة من خلال الاعتماد على أحدث التكنولوجيا في تربية الدواجن وإنتاج الأعلاف، وإدخال تقنيات الطاقة النظيفة عبر وحدات الغاز الحيوي.
وبإعادة تشغيل هذا المشروع المتوقف لسنوات، تقدم الدولة نموذجًا واضحًا على أن الإرادة السياسية والدعم المؤسسي، جنبًا إلى جنب مع الشراكة الفعالة مع القطاع الخاص، قادرة على تحويل المشروعات المتعثرة إلى قصص نجاح تلبي احتياجات المواطن وتدعم الاقتصاد الوطني.
الأبعاد الاقتصادية لمشروع “30 مليون بيضة”
لا يقتصر نجاح مشروع “30 مليون بيضة” على كونه إنجازًا تشغيليًا أو إعادة إحياء لمشروع متوقف، بل يحمل في طياته تأثيرات اقتصادية مباشرة وغير مباشرة على السوق المحلي.
ضبط الأسعار وتقليل الاستيراد
يُنتج السوق المصري سنويًا نحو 13 مليار بيضة تقريبًا، وهو رقم يكفي احتياجات الاستهلاك المحلي في الظروف الطبيعية، إلا أن تذبذب الإنتاج نتيجة ارتفاع أسعار الأعلاف أو توقف بعض المزارع الخاصة يؤدي إلى موجات من ارتفاع الأسعار، من هنا تأتي أهمية المشروع، إذ يُتوقع أن يضيف إنتاجًا ثابتًا يتراوح بين 50 إلى 60 مليون بيضة سنويًا، ما يسهم في سد أي فجوة قد تنشأ بين العرض والطلب، ويمنع حدوث تقلبات حادة في الأسعار، كما أن زيادة الإنتاج المحلي تعني تقليل الحاجة إلى الاستيراد، وبالتالي تخفيف الضغط على العملة الصعبة.
تعزيز الأمن الغذائي
يمثل المشروع جزءًا من الاستراتيجية الوطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية، وفي مقدمتها بيض المائدة الذي يُعد من أكثر مصادر البروتين الحيواني استهلاكًا لدى المصريين، وجود مشروع بهذا الحجم وتحت إشراف مباشر من الدولة يضمن توفير كميات مستقرة للأسواق، ويعزز من قدرة الدولة على مواجهة أي أزمات قد تطرأ في سلاسل الإمداد العالمية.
فرص العمل والتنمية المحلية
من المتوقع أن يوفر المشروع مئات فرص العمل المباشرة، سواء في تشغيل المزارع والعنابر أو في مصانع الأعلاف والتعبئة، كما يفتح الباب أمام فرص عمل غير مباشرة في مجالات النقل، التوزيع، الخدمات البيطرية، والصناعات المرتبطة مثل إنتاج الكرتون والتعبئة، هذا يسهم في تقليل البطالة بالمحافظة، ويخلق قيمة مضافة للتنمية المحلية في منطقة الخانكة.
جذب استثمارات جديدة
بنجاح مشروع “30 مليون بيضة”، يُمكن اعتباره نموذجًا قابلًا للتكرار في محافظات أخرى، ما يشجع القطاع الخاص على الدخول في شراكات مماثلة مع الحكومة، ووفقًا لتصريحات شركة “أبو دنقل”، فإن المشروع سيكون بداية لاستثمارات جديدة في قطاعات الإنتاج الحيواني والداجني بمصر، بما يعزز من قدرات الاقتصاد الوطني على تحقيق التنمية المستدامة.
البعد البيئي والاستدامة
إضافة إلى الأثر الاقتصادي، يراعي المشروع البعد البيئي من خلال إنشاء وحدة لإنتاج الغاز الحيوي من مخلفات الطيور، وهو ما يقلل من الانبعاثات ويوفر مصدرًا للطاقة النظيفة، كما أن تحديث العنابر واستخدام تقنيات حديثة في التربية والإنتاج يضمن تقليل الهدر وزيادة الكفاءة الإنتاجية.












