تقرير: خبراء نوويون إيرانيون عقدوا اجتماعاً سرياً ثانياً في معهد أسلحة روسي

العلاقات النووية الإيرانية الروسية تتصاعد: زيارات سرية تثير مخاوف أمريكية
أثارت تقارير حديثة عن زيارات سرية قام بها علماء وخبراء نوويون إيرانيون إلى روسيا العام الماضي، مخاوف دولية متزايدة. وتزعم الولايات المتحدة أن هذه التحركات تهدف إلى الحصول على تقنيات حساسة يمكن استخدامها في تطوير الأسلحة النووية، وهو ما يمثل تطوراً مقلقاً في المشهد الأمني الإقليمي والعالمي. وتتناول هذه المقالة تفاصيل هذه الزيارات، والأطراف المعنية، والدليل الذي تم الكشف عنه، بالإضافة إلى ردود الفعل من طهران وموسكو، مع التركيز على تداعيات هذه التطورات على البرنامج النووي الإيراني.
تفاصيل الزيارات السرية
كشفت صحيفة “فاينانشيال تايمز” عن زيارة سرية ثانية قام بها علماء وخبراء نوويون إيرانيون إلى روسيا في العام الماضي، مضيفةً أن هذه الزيارة لم تكن معزولة، بل جزء من سلسلة من الزيارات المتبادلة بين معاهد الأبحاث العسكرية الروسية و”منظمة الابتكار والبحوث الدفاعية” (SPND). تعتبر هذه المنظمة الإيرانية، المرتبطة بالجيش، المسؤولة الرئيسية عن تطوير الأسلحة النووية، وفقاً للاتهامات الأمريكية.
وتقول الصحيفة إنها حصلت على وثائق تفيد بأن هذه اللقاءات تمثل الدليل الأول على استعداد روسي للتعاون مع إيران في مجال المعرفة المتعلقة بالأسلحة النووية. وتم التحقق من صحة هذه الوثائق من خلال سجلات الشركات، وتصنيفات العقوبات، وبيانات السفر المسربة، ومراسلات أخرى.
السعي وراء تكنولوجيا الليزر والتحقق من التصميم
وفقاً للتحقيقات، كان التركيز الرئيسي للعلماء الإيرانيين خلال هذه الزيارات هو الحصول على تكنولوجيا متقدمة في مجال الليزر والمعرفة اللازمة للتحقق من صحة تصميم الأسلحة النووية دون الحاجة إلى إجراء اختبار تفجير نووي. جيم لامسون، الباحث البارز في “مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي” والخبير السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، يرى أن الأدلة تشير بقوة إلى ذلك.
هذا السعي يأتي في الوقت الذي تؤكد فيه إيران باستمرار أن برنامجها النووي يهدف فقط إلى التطبيقات السلمية. ومع ذلك، تشير الأدلة المتزايدة إلى أن طهران كانت تعمل على تقليص المدة الزمنية اللازمة لصنع قنبلة نووية في حال اتخذت قيادتها هذا القرار، حتى قبل الهجمات الأخيرة.
دور “دامافاند تك” المشبوه
تلعب شركة “دامافاند تك” دوراً محورياً في هذه القضية. وفقاً للوثائق التي اطلعت عليها “فاينانشيال تايمز”، فإن هذه الشركة، التي توصف بأنها “واجهة” تابعة لـ”منظمة الابتكار والبحوث الدفاعية”، هي التي قامت بترتيب رحلات المتخصصين الإيرانيين في تكنولوجيا الليزر إلى روسيا، وتحديداً إلى مدينة سان بطرسبرج.
التقى هؤلاء العلماء بشركة “ليزر سيستمز” (Laser Systems)، وهي شركة روسية تخضع لعقوبات أمريكية وتعمل في مجال تكنولوجيا الاستخدامات المدنية والعسكرية السرية. وقد تم الكشف سابقاً عن أن “دامافاند تك”، بقيادة علي كلوند، قامت أيضاً بترتيب سفر عدد من العلماء النوويين الإيرانيين ووكلاء المشتريات إلى روسيا للقاء علماء وشركات ذات صلات عسكرية واستخباراتية. وقد استخدم هؤلاء العلماء جوازات سفر دبلوماسية خاصة لهذه الرحلات.
العقوبات الأمريكية على “دامافاند تك”
في أكتوبر الماضي، فرضت وزارة الخارجية الأمريكية عقوبات على “دامافاند تك” وعلي كلوند، بتهمة العمل لصالح “منظمة الابتكار والبحوث الدفاعية” الإيرانية ومحاولة “شراء مواد يمكن استخدامها في تطوير أجهزة تفجير نووية من موردين أجانب”. كما اتهمت الوزارة الشركة بتسهيل سفر الخبراء النوويين الإيرانيين إلى روسيا.
تبادل الزيارات والتعاون التكنولوجي
لم تكن الزيارات من جانب واحد. فقد كشفت المراسلات التي حصلت عليها “فاينانشيال تايمز” عن زيارة قام بها ديمتري فاسيلييف، المدير العام لشركة “ليزر سيستمز”، إلى طهران في فبراير 2025، حيث التقى بممثلي “دامافاند تك” ومسؤولين يُعتقد أنهم مرتبطون بـ”منظمة الابتكار والبحوث الدفاعية”.
وتؤكد السجلات الأكاديمية والمؤسسية أن المشاركين في هذه الزيارات لم يكونوا مجرد موظفين في “دامافاند تك”، بل كانوا فيزيائيين ومهندسين من جامعات ومراكز بحثية إيرانية مرموقة، والتي لها صلات قوية بالمؤسسة الدفاعية الإيرانية. من بين هذه المؤسسات جامعة “شهيد بهشتي”، وجامعة “آزاد الإسلامية” في كاشان، وجامعة “مالك أشتر” للتكنولوجيا.
ردود الفعل الرسمية
تصر إيران على أن التعاون النووي مع الدول الأخرى يقتصر على الأنشطة السلمية، وأنها لا تسعى إلى تطوير أسلحة نووية. في المقابل، تؤكد روسيا أنها تعارض تطوير إيران لأي أسلحة نووية. ومع ذلك، فإن الأدلة المتزايدة تشير إلى خلاف ذلك، مما يثير تساؤلات حول مدى التزام روسيا بهذه السياسة المعلنة.
نيكول جراييفسكي، الباحثة في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، ترى أن هذه الاجتماعات تمثل “دليلاً قوياً على أن روسيا كانت تساعد إيران في أبحاثها المتعلقة بالأسلحة النووية”، وأن هذا النشاط “يحظى بموافقة على مستوى عالٍ لدى الجانبين الروسي والإيراني”.
الخلاصة: تصعيد مقلق وتداعيات محتملة
تشير الزيارات السرية التي قام بها علماء إيرانيون إلى روسيا إلى تصعيد مقلق في العلاقات النووية بين البلدين. على الرغم من النفي الرسمي من كلا الجانبين، إلا أن الأدلة التي تم الكشف عنها تثير مخاوف جدية بشأن نوايا إيران وقدراتها النووية، وكذلك دور روسيا في دعم هذه القدرات.
هذا التطور يتطلب مراقبة دقيقة وتنسيقاً دولياً قوياً لمنع أي تقدم في برنامج الأسلحة النووية الإيراني، وضمان عدم تقويض جهود منع الانتشار النووي في المنطقة والعالم. لا يمكن تجاهل هذا الوضع ويتطلب تحركاً دبلوماسياً ورقابياً فاعلاً.












