هذه النسخة المتوحشة | مصراوى

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
لا يجد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أي حرج في أن يقول إنه يمارس سياسته على أساس النفع المباشر الذي يمكن أن يحصده من ورائها له، أو لبلاده، وما عدا ذلك فإنه لا يهتم به ولا يعنيه في شيء!
لقد سمعناه يقول على الملأ أن الولايات المتحدة لن تدافع إلا عن حلفائها، ولو أنه وقف عند هذا الحد لكان ما يقوله هو عين العقل، فالإدارات السابقة على إدارته كانت تمارس هذا مع حلفائها طول الوقت، ولكنه استدرك في الكلام ليقول إن دفاع أمريكا عن حلفائها لن يكون لوجه الله، ولا من أجل سواد عيون هؤلاء الحلفاء، ولكن لأنهم سيكون عليهم أن يدفعوا فواتيرهم!
ولأن الناس على دين ملوكهم، فإن ماركو روبيو، وزير خارجيته، خرج على الناس يقول إن الولايات المتحدة لها مصلحة الآن في الدفاع عن أوكرانيا.. أما “الآن” التي يقصدها فهي المرحلة اللاحقة لموافقة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على توقيع اتفاق مع الإدارة الأمريكية تحصل بموجبه على المعادن النادرة في الأراضي الأوكرانية.
ومن قبل كانت المشادة الكلامية الشهيرة بين ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض تعود إلى أن الرئيس الأوكراني كان يتباطأ في الذهاب الى التوقيع، فلم يجد الرئيس الأمريكي شيئاً يفعله معه والحال كذلك إلا أن يُظهر له العين الحمراء!
وتمثلت العين الحمراء في المشادة التي جرت بينهما على مرأى من العالم مرة، ثم تمثلت مرةً ثانية في قرار ترمب تعليق المساعدات العسكرية التي تذهب الى أوكرانيا في حربها مع روسيا!
ولأن الرئيس الأوكراني يعرف أنه بغير هذه المساعدات يظل عاجزاً عن مواجهة الروس في الحرب التي دخلت السنة الرابعة في ٢٤ فبراير الماضي، فإنه سرعان ما استدار ليأخذ خطوات الى الخلف، وليقول إنه منفتح على التوصل إلى السلام، وأنه سيفعل ذلك من خلال العمل تحت قيادة ترمب، وأنه جاهز لتوقيع اتفاق المعادن!
وهكذا أخذ المسكين عدة خطوات الى الوراء لا خطوة واحدة، وبدا أنه يقع ضحية لعملية ابتزاز أمريكية معلنة.. فهو لا يملك شيئاً بديلاً يمكن أن يعول عليه، ولا الأوروبيون قادرون على أن يسعفوه في جبهة الحرب والقتال.
لقد جرب الأوربيون أن يتحدثوا مع ترمب عن أن المصلحة الأوروبية في الانتصار على روسيا في حربها مع أوكرانيا هي مصلحة أمريكية، ولكنهم اكتشفوا أن حديثهم معه بهذا الشأن لا يؤدي الى أي نتيجة. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جرب من ناحيته أن يتحدث بهذا المعنى، ومعه كان رئيس الحكومة البريطانية السير كير ستارمر يفعل الشيء ذاته فيجرب ويحاول، فكان حديثهما مع مَنْ لا يسمع فضلاً عن أن ينصت !
وإذا كنا قد درسنا أن الفلسفة البراجماتية فلسفة أمريكية لحماً ودماً، وأنها تقيس قيمة كل شيء بأثره العملي على الأرض، فالرئيس الأمريكي يؤسس فيما يبدو للنسخة المعاصرة من تلك الفلسفة، وإذا شئنا قلنا النسخة المتوحشة .