لم يحدث من أيام ترومان

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
من أيام الرئيس الأمريكي هاري ترومان إلى اليوم، لم يحدث أن كان انحياز الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى إسرائيل بهذا الشكل السافر الذي يظهره ترمب في كل يوم.
فالدنيا كلها تعرف أن اتفاقاً لوقف إطلاق النار تم بين إسرائيل وبين حركة حماس في ١٩ يناير، وتعرف الدنيا أن الاتفاق على ثلاث مراحل، وأن المرحلة الثانية منه كان من المفترض أن تبدأ في اليوم السادس عشر من يوم بدء سريان الاتفاق .
لكن حكومة التطرف في تل أبيب يبدو أنها ذهبت إلى الاتفاق رغماً عنها، لأنها منذ بدايته تتحين الفرصة لخرقه، وإذا لم تخرقه فإنها ترفض الذهاب إلى مرحلته الثانية، وتريد في كل الأحوال أن تأخذ محتجزيها من حماس ولا تعطي حماس أسراها.
هذا هو سلوكها منذ بدء سريان الاتفاق، وعندما تتصرف حكومة بهذه الدرجة من الغطرسة، فإن الأمل يظل معقوداً على أن تعيدها الإدارة الحاكمة في البيت الأبيض الى رشدها، وأن تدفعها إلى احترام ما وقعت عليه مع الفلسطينيين، وأن تغادر المرحلة الأولى من الاتفاق إلى مرحلته الثانية، وأن تحترم كلمتها التي وقعت عليها.
ولكن شيئاً من هذا لم يحدث، بل حدث العكس وبشكل لا يكاد يصدقه الذين يتابعون المأساة الحاصلة في قطاع غزة، منذ بدء الحرب عليه في ٧ أكتوبر من السنة قبل الماضية.
لقد كان ترمب يتباهى عند وقف إطلاق النار، وعند بدء سريان الاتفاق الذي تلا وقف إطلاق النار، بأنه.. أي ترمب.. هو مَنْ عمل على أن يكون هناك وقف لإطلاق النار وأن يكون هناك اتفاق، وأنه هو الذي نجح في ذلك لا بايدن الذي فشل في ذلك على مدى أكثر من عام من عمر الحرب.. وبما إنه راح يتباهى بما أنجز، فإن الأمل كان أن يتدخل إذا ما تعرض الاتفاق لما يهدده، أو تعرض وقف إطلاق النار للخرق من جانب حكومة التطرف أكثر من مرة.
لكن اسرائيل خرقت وقف إطلاق النار كثيراً، ولم يتحرك ترمب ولا تحركت إدارته، وبلغت الخروقات إلى حد أن ١١٦ فلسطينياً من أبناء القطاع سقطوا ضحايا للخروقات خلال فترة لا تزيد على الشهر الواحد.. وبلغ تهديد الاتفاق الى حد أن إسرائيل صارت تتلكأ في الذهاب الى المرحلة الثانية منه، وأصبحت تطلب محتجزيها ولا تريد الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في المقابل !
حدث هذا ويحدث، وإذا بترمب يوجه نداءً إلى حماس بالإفراج عن المحتجزين فوراً، وإلا، فإنها ستواجه الموت بجميع عناصرها من جانب الولايات المتحدة! .. فكأن واشنطون تحولت من وسيط إلى طرف مباشر يتحدث بالنيابة عن إسرائيل، ويهدد بالنيابة عنها، ويغريها بعدم الالتزام بالاتفاق، وبعدم تسليم الأسرى !
ليست هذه هي الولايات المتحدة التي كانت تحتفظ بالحد الأدنى من نزاهة الوسيط بين إسرائيل وبين الفلسطينيين.. فلقد راحت تزايد على إسرائيل ذاتها في التطرف، وفي التشدد، وفي التحلل من كل التزام قانوني، أو إنساني، أو أخلاقي.. فلله الأمر من قبل ومن بعد .