اخبار مصر

“قراء السماء وحراس الأرض”.. أسرار قبيلة العمارين في التعامل



06:13 م


الجمعة 08 نوفمبر 2024

السويس – حسام الدين أحمد:

بين رمال الصحراء وجبال الجلالة، يعيش بدو السخنة قصة فريدة من نوعها، وثيقة الصلة بالأرض ومواردها الشحيحة، خاصة الماء، ويحملون في ذاكرتهم موروثاً تراكم عبر الأجيال من المعرفة بمصادر المياه، وقراءة أحوال السماء، وتوقع السيول.

في هذا التقرير، نتعرف على أسرار هذه العلاقة الفريدة بين البدو والماء، وكيف يستغلون معرفتهم العميقة بالطبيعة لحماية أنفسهم وممتلكاتهم من مخاطر السيول.

بالقرب من ميناء السخنة والأنشطة المجاورة لها تنتشر “قبيلة العمارين”، يقول الشيخ محمد خضير شيخ القبيلة: “إن العربان ينتشرون في ربوع مصر وكل قبيلة لها قطاع أرضي يعرفون تضاريسه جيدا، ويحددون مصادر المياه سواء من آبار أو بحيرات عذبة، أو من مياه الأمطار التي تجرى في مخرات السيول، يعرفون أين يجدون المياه حتى في حالة الجفاف.

مغارة للمياه
وأضاف شيخ قبيلة العمارين، أن العربان في مناطق الجبال التي استوطنوها يحفروا في مكان ضخم ما يشبه المغارة تكون داخل الجبل، فلا تتعرض للشمس بشكل مباشر، ويوجهون إليها مياه السيول ويوفر ذلك مياه للعربان طوال العام، يكفيهم للشرب والاستخدام الشخصي، ولسقاية الماشية والأغنام التي يربونها.
تابع الشيخ خضير، أن الحياة في ظروف الصحراء وعند سفوح الجبال جعلت البدوي يتأقلم ويضع نصب عينه اعتبارات الطبيعة التي تحيط به، وقبل أن يقرر الاستقرار في أي مكان كان يضمن أولا وجود المياه، حتى في يومه العادي حين يقرر الانتقال إلى مكان أخر كان يحمل معه ما يكفيه من المياه ليأكل ويشرب ويتوضأ حتى يصل إلى مكان آخر تتوفر فيه المياه.
علم موروث
وأكد خضير، أن العربان تعلموا وفهموا علم الفلك، وهو علم موروث وليس مدروس بالنسبة لهم، ومن خلال رؤية النجوم وظهورها يقدرون أماكن نزول الماء وقوة الامطار برغم الغيوم، فلكل نجم دلالة معينة حين يظهر قبل السُحب الكثيفة.
ويحكي خضير، أن العربان مع بداية موسم الأمطار في فصل الخريف يتابعون حركة السحب عن كثب، ولكل لون منها دلالة معينة، السحب البيضاء الكثيفة تعني سقوط أمطار خفيفة متقطعة، أما السحب القاتمة أو كما يسمونها بالسوداء فهي تحمل كميات كبيرة من المياه، وتحمل أيضا شحنات كهربية تسبق المطر وتخرج في صورة برق ورعد، وتلك السحب هي التي تنتج قدر كبير من المياه.

بصاصين فوق الجبل
بعد سقوط المطر، يصعد العربان لجبل عتاقة وجبل الجلالة البحرية، يتابعون أماكن تجمع مياه المطر في الوديان، يقدرون كمية المياه في كل وادي ومتى يمتلئ الوادي ليصب في وادي آخر أقرب منه إلى سطح البحر، لان الوديان تمتلي من الأعلى للأسفل تباعا.

تستمر تلك المهمة طوال فترة سقوط الأمطار من بداية موسم الخريف وحتى موسم الربيع، ومعها أيضا متابعة حركة السحب، بعضها يحمل المياه وأخرى لا ماء فيها، يكتشفوا الوديان، ولكل منطقة خبير بها من العربان، وبعض الوديان في الجبال أشبه بالمتاهة يتوه من يدخلها إن لم يعلم مساراتها.

محملة بالحجارة والروبة
يلتقط محمد سليمان من شباب القبيلة، طرف الحديث ويقول:” إن هناك وديان تخلف ورائها سيول خفيفة تستمر يوم أو يوم ونصف لكنها قريبة من سطح البحر فلا تندفع منها المياه، وهناك وديان يخرج منها سيل يستمر ساعتين فقط لكنه يحمل من الطين والروبة ما يمكنه قطع الطريق وإعاقة حركة السيارات أو حتى سحبها في طريقه، وهنا يأتي دور العربان بالتواصل مع الأجهزة المعنية وإدارات الشركات والمصانع والقرى السياحية لتحذيرهم”.

خافوري الوادي الكبير
يخبرنا “سليمان”، أن من أكبر الوديان في السخنة وادي خافوري، وهو يمثل نقطة تلاقي عدة مخرات حددتها المياه بشكل طبيعي عبر الزمن، وتصب فيه عدة وديان أصغر، لكنه بمرور الوقت يصبح نقطة تجمع لكل المياه في التي تصب عليه من الوديان الأخرى.

السد لا يمنع
يقول الشاب الذي نشأ في البيئة البدوية،: إن قرية مارينا وادي الدوم، والتي تتعرض كل عام تقريبا للسيل، تقع أمام وادي قصيب، وهو وادي كبير يمثل نقطة تجمع للمياه، ورغم إنشاء سدود إلا أنها لم تجدي نفعا مع السيل، لأن السد لا يحجز مياه السيل وإنما وظيفته أن يغير مسارها بما يخفف من سرعتها ويمنع جزء من الروبة والحجارة التي تنقلها المياه من الجبل إلى الوادي”.

سدود نزعها السيل
يحكي “محمد” عن سدود جرى إنشاؤها عامي 1999 و2000 كان الغرض منها حجب مياه السيل، صمدت تلك السدود حتى عام 2014، حتى جاء سيل قوي منحدر من 8 وديان إلى وادي غويبة المواجهة لميناء السخنة، وضرب السدود وازالها من الأرض، لأن المياه تحفر تحت ما يقابلها.
وتابع: أن مياه السيل أغرقت في ذلك الوقت المحطة الكهربائية المجاورة لميناء السخنة، بينما نفذت المياه عند ميناء السخنة إلى البحر من البرابخ والمخرات الصناعية التي نفذت لذلك الغرض.

خزانات أرضية
وحين جرى إنشاء سدود أخرى في نفس المكان راعت الشركات المنفذة تنفيذ خزان أرضي ضخم مناسيب محددة تنزل فيه المياه لحجز جزء منها قبل أن تصل للسدود، وخفف ذلك من سرعة المياه وقوة اندفاعها، وبالتالي ساهم ذلك في الحفاظ على البنية التحتية للطريق والمشروعات القائمة بالمنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى