ذهب لإنقاذ أحد الجرحى فاستُشهد”.. حكاية مصوّر فلسطيني بقي جث
04:51 م
الإثنين 09 سبتمبر 2024
بي بي سي
بدأت وقائع القصة في الثاني والعشرين من نوفمبر، عندما تم استهداف طاقم إنقاذ مكون من ثمانية أشخاص من رجال الدفاع المدني، دخلوا إلى أحد المنازل في بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، لتلبية نداء استغاثة ورد إليهم من أحد الجرحى، هكذا بدأ حسين ظاهر، زميل محمد فرج، والمتطوع معه في الدفاع المدني منذ نشوب الحرب قص واقعة استشهاده، وعدم القدرة على انتشال جثمانه إلا بعد مضي تسعة أشهر قضاها تحت الأنقاض.
ومضى قائلا: “العناية الإلهية مكنتنا من انتشال كل أفراد طاقم الإنقاذ من تحت الأنقاض، ماعدا زميلنا محمد فرج الذي كان يقبع في مكان تحت الركام يصعب الوصول إليه، حاولنا بكل الطرق لكن المكان كان ملغما بقوات الجيش الإسرائيلي، فلم نتمكن من استكمال المهمة واضطررنا للمغادرة”.
“لكننا عدنا إليه في اليوم الثاني وأعدنا محاولة استخراجه إذ ظل حيا يرزق لمدة يومين، ولكن قوات الجيش الإسرائيلي استهدفت الطاقم مرة أخرى، ما أدى لبتر ساق اثنين من زملائنا، وحدث اجتياح بري للمنطقة وبالتالي لم نتمكن من إتمام مهمة استخراجه”.
“بفضل الله تمكنّا من إخراج الجثمان بعد مضي تسعة أشهر. وجدناه على الهيئة التي كان يصفها لي، ممددا على الأرض ومعه هاتفه المحمول وكاميرا، لأنه كان متطوعا بتوثيق الأعمال الإغاثية للدفاع المدني وكذلك كشاف إضاءة”.
“كنت أنا آخر من تحدث مع محمد وهو تحت الأنقاض، ووصف لي الوضعية التي كان فيها. كنت أحاول أن أجعله يصبر وأعده بأننا لن نتركه وسنعود في الغد لإنقاذه، أما المرة الأخيرة التي تحدثت فيها إليه فكانت بعدما تملكني اليأس وأيقنت أننا لن نستطيع أن نقدم له أي شيء، فسألته: كيف وضعك؟ أجابني بأنه ممدد وبيده الكشاف وفي اليد الأخرى الكاميرا، وعندما عدنا إليه في اليوم الثالث قمنا بمناداته مرارا وتكرارا لكننا لم نتلق أي استجابة منه فعلمنا أنه فارق الحياة”.
“أما المفارقة التي لم أستطع تجاوزها، فهي أننا اليوم استدلينا عليه من خلال الكاميرا والكشاف، كما أخبرنا أنهما معه وممسك بهما، كما وجدنا سترة الدفاع المدني، فعلمنا أن رفاته توجد هنا”.
وعن كيفية توفير المعدات اللازمة لاستخراج الجثمان بعد كل هذه الشهور، أكد حسين ظاهر المتطوع في الدفاع المدني أنهم لم ينجحوا في توفير أي معدات، وأن استخراج الجثمان بالكامل تم بواسطة الحفر اليدوي بالمطارق وعمل أكثر من مدخل للوصول إلى المكان الذي كان فيه، وشارك فيه كل طاقم الإنقاذ الذي كان مع محمد لحظة القصف، ثم ردمتهم جميعا الأنقاض “وتمكننا من إخراجهم باستثنائه، لكم أن تتخيلوا كم كانت لحظة العثور على ما تبقى منه قاسية ومؤلمة على الطاقم كله، وجعلتنا نستعيد لحظات القصف والبقاء تحت الأنقاض وكأنها تحدث الآن”.
“ولكن كل هذا يهون في سبيل أن نصل إليه ونكرمه بالدفن والصلاة عليه وعمل جنازة له”.
أما عن عائلة محمد، فيقول ظاهر إنها استشهدت بالكامل في قصف إسرائيلي استهدف منزلهم بعد استشهاد محمد فرج بشهرين، ولم ينج من العائلة سوى شقيق واحد له ظل يزورهم بشكل شبه يومي، ويسألهم متى ستقومون باستخراج جثمان أخي، وعندما علم بانسحاب القوات الإسرائيلية من المنطقة واستعداد طاقم الإنقاذ لمهمة انتشال الجثمان، أصر على أن يكون بينهم، وانتابته حالة انهيار عصبي بعد نجاح المهمة.
واختتم حسين ظاهر حديثه قائلا: “لن أكون مبالغا على الإطلاق حينما أقول إنه على مدار تسعة أشهر وفي كل ليلة كنت أحلم بمحمد، وأتألم لعجزي عن دفنه وأتحسر على فقداننا للمعدات التي كانت تمكننا في أول الحرب من انتشال أي ضحايا من تحت الركام، وذلك بسبب استهداف قوات الجيش الإسرائيلي لآلياتنا ومعداتنا”.
“أما المفارقة التي لا أستطيع إغفالها فهي أن محمد فرج قبل استهدافه بساعات كان يوثق جنازة تشييع ثلاثة زملاء لنا من عناصر الدفاع المدني، لكنه لم يتمكن من نشر الصور إذ ذهب مباشرة لمهمة الإنقاذ الجديدة، حيث قصف وظل تحت الأنقاض، واليوم حينما انتشلناه وكاميرته وجدنا الصور عليها، فالتقطنا صور جنازة محمد وقمنا بنشر صوره مع صور زملاءه الذين سبقوه دفعة واحدة”.
وبحسب التحديث الأخير لإحصائيات حصر الخسائر البشرية بقطاع غزة، والتي يجريها المكتب الإعلامي الحكومي، استشهد 83 من رجال الدفاع المدني منذ بداية الحرب، أحدثهم نائب مدير الدفاع المدني في شمال قطاع غزة، محمد مرسي، الذي استشهد الأحد في غارة جوية إسرائيلية على منزله في جباليا إلى جانب عدد من أفراد عائلته. وهناك أكثر من عشرة آلاف مفقود تحت الأنقاض، تعجز فرق الإغاثة عن انتشالهم بسبب نقص المعدات والإمكانات اللازمة، وفقا للأرقام الفلسطينية.