اخبار مصر

دولة التلاوة بخير.. رحلة “المُقرئ الصغير” من المعاناة إلى مح



05:24 م


الأحد 09 مارس 2025

الإسكندرية – محمد عامر:

يجتاز صفوف المصلين، صفًا تلو الآخر، يلتمس “المقرئ الصغير” طريقه إلى محراب الجامع الأزهر الشريف، منارة العلم وحِصنُ الدين عبر العصور، إنها تاسعُ ليالي شهر رمضان المبارك.

المسجد مكتظ عن آخره، الجميع انتهى من صلاة العشاء، وحانت لحظة أداء صلاة التراويح، علماء ومقرئون ومشايخ الأزهر الشريف في الصفوف الأمامية بين المصلين.

سابقة تاريخية

وفي سابقة هي الأولى في تاريخ الأزهر، الذي مر على تأسيسه قبل أيام نحو 1085 عامًا هجريًّا، وقف طالب بالصف الثالث الثانوي بمعهد أبي قير الأزهري أمام كل هؤلاء العلماء والحشود ليؤم الصلاة.

وبرواية قنبل عن ابن كثير المكي، قرأ محمد أحمد حسن، ابن الإسكندرية، من سورة الأعراف، في المحراب الذي صلى به مشايخ وعلماء يصعب حصرهم، أمثال الخراشي والنواوي والمراغي وغيرهم الكثير.

التلاوة المصرية

“مدرسة التلاوة المصرية لم تُغلق أبوابها بعد، قراءة جميلة بدون تكلُّف ولا تشدُّق، وصوت يدخل القلب كجمال صاحبه، ما شاء الله لا قوة إلا بالله.. معجزة، والله! يؤم بالفطاحل الذين خلفه.. الله أكبر على الأزهر.”

آلاف التعليقات توالت على الفيديو الذي نشره الأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تحت عنوان: “لأول مرة.. الأزهر الشريف يقدِّم أحد طلابه من ذوي البصيرة لإمامة المصلين بصلاة التراويح في الجامع الأزهر.”

نور القرآن الكريم

بين محراب الأزهر الشريف والإسكندرية، طريق طويل قطعه “محمد” لا يُقاس بالكيلومترات، بل بعدد الصعوبات والعقبات التي اجتازها ليكون إمامًا في ثالث أقدم جامعة في العالم.

حُرم “محمد” وشقيقه “فارس” وأختهما الثالثة “ملك” منذ ولادتهم من نعمة الإبصار، ولكن ما المشكلة؟! فنور القرآن الكريم تسلل إلى قلوبهم، وأنار حياتهم وطريقهم، فكان خير العوض والجزاء.

8 سنوات

المقرئ الصغير، محمد، حفظ القرآن الكريم كاملًا وهو في الثامنة من عمره، وتفوَّق في دراسته ليحصد المركز الأول على الإسكندرية في الصف السادس الابتدائي، والأول في الصف الثالث الإعدادي.

وفي 27 رمضان عام 2022، كرَّمه الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، لحصوله على المركز الثاني في المسابقة العالمية للقرآن الكريم التي نظَّمتها وزارة الأوقاف المصرية.

اللقاء الثاني

لم يكن هذا هو اللقاء الأول بين “محمد” ورئيس الجمهورية، بل سبقه لقاء عام 2016، عندما قرأ بعض آيات القرآن الكريم أثناء افتتاح مشروع “بشائر الخير 1” في الإسكندرية.

وقتها، أشاد به الرئيس وسأله عما إذا كان يحتاج إلى شيء، فطلب منه الحصول على ماكينة تتبع لتساعده على القراءة والكتابة، وهو ما وفَّرته المنطقة الشمالية العسكرية.

اجتاز محمد كل العوائق وواصل طريقه، ليفوز في 23 أكتوبر 2024 بالمركز الأول على الوطن العربي في مسابقة تحدي القراءة، ليكرمه الأمير محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية.

الخامس عالميًا

لم يمر شهر على الجائزة، حتى حصل بعدها “المقرئ الصغير” على المركز الخامس على مستوى العالم في القرآن الكريم، بمسابقة الكويت الدولية، وتحديدًا في 20 نوفمبر من العام الماضي، ليؤكد أن نور البصيرة أقوى من نور العين.

واصل “محمد” طريقه في حصد الجوائز والتكريمات، من بينها تكريمه من الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والدكتور محمد عبد الرحمن الضويني، وكيل الأزهر، والدكتور أيمن عبد الغني، رئيس قطاع المعاهد الأزهرية.

محمد لـ”مصراوي”: “رَسَوتُ على البر”

“شعرت وأنا في محراب الجامع الأزهر أني رَسَوتُ على البر أخيرًا، وحققت حلمًا كبيرًا حملتُه طوال عمري”، هكذا وصف “محمد” شعوره، متحدثًا باللغة العربية الفصحى لـ”مصراوي”، عبر الهاتف، قبل أن يتوجه للجامع الأزهر لإمامة المصلين في صلاة التراويح اليوم الأحد، لليوم الثاني على التوالي.

وأشار “محمد” إلى أن حلمه الأكبر هو الالتحاق بكلية أصول الدين، ليصبح أستاذًا جامعيًا في جامعة الأزهر الشريف، معتبرًا والديه الداعم والسند له في رحلته، إلى جانب المشايخ والمعاهد الأزهرية.

أقرب المشايخ إلى قلبي

وأوضح أنه حريص على التحدث في حياته اليومية باللغة العربية الفصحى، لغة القرآن الكريم، متابعًا: “الأزهر يباهي الدنيا بطلابه.. وأقرب المشايخ إلى قلبي الشيخ مصطفى إسماعيل.”

وأضاف: “أنا سعيد أن أكون في محراب الجامع الأزهر، ولن تكون هذه نهاية شغفي، وسأصل بفضل الله إلى ما هو أبعد من ذلك.. والأزهر حريص على تحفيزنا وتدريبنا، وفخور بأنني من أبنائه.”

رحلة معاناة

“فارس”، شقيقه، في الصف الثاني الثانوي، وحفظ القرآن الكريم بسبع قراءات، وشقيقتهما “ملك”، البالغة من العمر 21 عامًا، حفظت 20 جزءًا من القرآن الكريم، رغم أنها تعاني من التوحد إلى جانب فقدها البصر.

تقول والدتهم، ثريا محمد محمود: “ربنا اختارني أن أكون أمًّا لحفَظَة القرآن الكريم.”

وتضيف: “عندما رأيت ابني محمد في الجامع الأزهر، مرت في ذهني رحلة كبيرة.. كأنها حلم سريع، رأيت فيه عُمري ومعاناتي في دقائق.. فقلت: يارب لك الحمد والشكر.”

3 أطفال

“كنت دائمًا أُسأل من الأهل والجيران: لماذا أنجبتِ ثلاثة أطفال فاقدي البصر؟ ولم يخلُ الأمر من التنمر أحيانًا.. تخيَّل أن الأوتوبيس عندما كان يراني مع أولادي الثلاثة لم يكن يتوقف لنا!”

تروي والدة المقرئ الصغير، صاحب الـ18 عامًا، رحلتها في تربية محمد وأشقائه.

الحرمين الشريفين

“نحن نسكن في منطقة شعبية، وكان الجيران دائمًا يقولون لي: لماذا تُتعِبين نفسكِ بتعليمهم؟ اتركيهم في البيت.. وأحيانًا كثيرة كنتُ أيأس من تعبي معهم، لكن دائمًا كان الله يبعث لي بآية من القرآن تقويني.”

وتختتم السيدة ثريا حديثها لـ”مصراوي” قائلة: “أنا دائمًا خائفة على أولادي من الدنيا، ولكن عندما سمعت قوله تعالى: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)، اطمأن قلبي.. وحلمي أن أرى محمدًا في الحرمين الشريفين”.

اقرأ أيضا:

“نور الله”.. حكاية 3 أشقاء مكفوفين أضاء “القرآن” حياتهم (صور)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى