تنفيسة| «أنوار السماء».. «لعلهم يفقهون» في ثوب جديد

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
في الأول من شهر رمضان المبارك، طل علينا برنامج “لعلهم يفقهون” المُذاع على قناة dmc بإطلالة جديدة وفي ثوب جديد تحت عنوان “أنوار السماء”. ويأتي هذا الاستحداث خلال شهر رمضان المعظم، والشيء بالشيء يُذكر أن هذا الاستحداث جاء من واقع رؤية الشيخ خالد الجندي عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، قاصدًا بيان المتشابهات في القرآن الكريم. على أن يتم تناول كل يوم من أيام شهر رمضان جزء من أجزاء القرآن الكريم.
وجاء البرنامج من تقديم الشيخ خالد الجندي، والشيخ رمضان عبدالمعز، وبدأ الشيخ رمضان عبدالمعز الحلقة الأولى بالجزء الأول من القرآن الكريم، وسأل الشيخ خالد، ما الفرق بين آمين التي نرددها في نهاية الفاتحة، وكلمة ءَآمِّينَ الموجودة في أول سورة المائدة، وأجابه الشيخ خالد بأن كلاهما له معنى مختلف، الأول (آمين) لفظًا دلالي معناها اللهم أستجب، وهي تأتي بعد الدعاء لتأكيد ذلك الدعاء وتكراره على من سمع. أما الكلمة الأخرى (ءَآمِّينَ) تعني قاصدين ومتجهين.
وقدم الشيخ رمضان سؤال آخر وهو ما الفرق بين (وَإِذَا خَلَوْا) الموجودة في أول سورة البقرة، وبين (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) الموجودة بسورة التوبة؟ أجاب الشيخ خالد أن شكل الكلمتين واحد، أما الأول تعنى انفردوا. أما (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) أطلقوا صراحهم أي أتركوهم. وأكمل الشيخ خالد حديثه أنه من غير المألوف قولنا الدارج “ربنا يخليك” لأنها بالتالي تعني التخلي والترك كما رأينا معناها السابق.
وأيضًا تساءل الشيخ رمضان ما الفرق بين كلمة البرق الموجودة في سورة البقرة بقوله تعالى (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ۖ)، وكلمة برق الموجودة في سورة الملك في قوله تعالى (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ)؟ وأجاب الشيخ خالد أن الأولى تعني لمعان السحاب. أما الثانية تعني تشويش الرؤية أو زغللة العين (زوغان البصر).
وهنا نلحظ الأهمية الضرورية لهذا الحديث، بأن دراسة المتشابهات تساعد في تعزيز الفهم الدقيق للقرآن الكريم، حيث يُمكن للمفسرين والباحثين أن يستنبطوا معاني جديدة ويكتشفوا أبعادًا مختلفة للنصوص. كما أنها تُظهر عمق اللغة العربية وبلاغتها، مما يعكس إعجاز القرآن الكريم. ويمكننا تمثل هذه الضرورة في النقاط الآتية:
أولًا: رفع اللبس والإشكال، وتمييز معنى كل لفظة وفقًا للسياق، الذي وردت فيه سواء أكان هذا سياق خاصًا، كموضوع الآية مثلًا، أم كان عامًا يشمل موضوع السورة كلها.
ثانيًا: محاولة تبيان الحكم والدلالات وراء تكرار كثير من الآيات أو الألفاظ، سواء أكان ذلك في مواطن متشابهة أم مختلفة؛ إذ من المعروف أن موضوع التكرار في كتاب الله عز وجل من المباحث التي نالت حظًا وافرًا من الدراسة ما بين مثبت، ونافٍ. وكذلك تبيان ما دخله التشابه من التقديم والتأخير، والزيادة والنقصان، والتعريف والتنكير، والجمع والإفراد، والإبدال، وغير ذلك.
ثالثًا: الرد على الجاحدين، وإصاد الطريق على الملحدين؛ فقد أتُخذ هؤلاء من المتشابه اللفظي سبيًا للطعن على كتاب الله عز وجل. توعية صنف من الناس يظن أن ما كان من المتشابه في كتاب الله إنما هو من باب التفنن في أساليب العرض البياني، وأن كل آية من الآيات أو لون من التشابه يُمكن أن يكون في موضوع آخر دون أن يُغيّر المعنى، أو يؤثر فيه.
رابعًا: إن فهم دلالة هذا اللون من التشابه يُعين الحُفّاظ فضلًا عن غيرهم من القراء والباحثين على الارتياح، وأمن العثار عند قراءة القرآن. وهذا هو التطبيق العملي على الإعجاز القرآني؛ إذ إن تتبع دلالات هذا التشابه، تحقيق لما نص عليه جهابذة البلغاء والفصحاء من السؤال عن مزية الكلام ووجه الاستحسان، وعدم الاقتصار على القول: “إن هذا من باب التفنن في البلاغة”.
وفي الختام، نجد أن المتشابهات في القرآن الكريم تُعتبر جزءًا أساسيًا من فهم النصوص الدينية، حيث تبرز أهمية الرجوع إلى الآيات المحكمة لفهم المعاني المتعددة. كما يعكس غنى اللغة العربية وتحديات الفهم التي يواجهها المفسرون والباحثون. ولهذا أدعوكم، أعزائي القراء إلى الاستماع لحلقات البرنامج من أجل دفع وإزالة الالتباس الذي يقع فيه القراء والحفّاظ في متشابهات الألفاظ.
وأخيرًا، مصداقًا لقول رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: “لا يشكر الله من لا يشكر الناس”. علينا أن نتقدم بأسمى آيات الشكر والتقدير، لعلمائنا الأجلاء الشيخ خالد الجندي، والشيخ رمضان عبد المعز، الذين جاهدوا في إعداد الحلقات، فقد فتحت لنا مغاليقها، وفسروا لنا معالمها إلى أبعد الآماد.. جزيل الشكر والتقدير. حفظهم الله ومتعهم بالصحة والعافية، وسدد خطاهم.