بين الضغط عليها ودعمها.. هل يعاقب بايدن إسرائيل؟
12:31 م
السبت 18 مايو 2024
بي بي سي
كان إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن بتعليق إرسال بعض الأسلحة والعتاد إلى إسرائيل مفاجئا، وبدا أنه مخالف لأحد أكثر ثوابت السياسة الأمريكية رسوخًا وهو دعم إسرائيل، خصوصا عندما تكون في حالة حرب.
إعلان بايدن في الـ9 من شهر مايو الجاري، بدا رسالة قوية وواضحة لإسرائيل بأن عليها أن تغير من مسارها في حرب غزة وأن عليها تحديدًا ألا تشن الهجوم المتوقع على مدينة رفح، التي نزح إليها مئات الآلاف من الفلسطينيين الهاربين من جحيم الحرب التي اجتاحت أغلب مناطق القطاع الأخرى منذ السابع من أكتوبر الماضي.
ذروة الخلاف بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو
“لقد قتل مدنيون في غزة نتيجة لاستخدام تلك القنابل وغيرها من الأساليب في المراكز السكانية”، هكذا قال بايدن في مقابلة على شبكة سي إن إن الأمريكية، مشيرًا إلى القنابل الثقيلة الوزن التي أصدر قرارًا بتعليق إرسالها إلى إسرائيل وجدد تحذيراته لها من اجتياح رفح.
كان ذلك القرار والإعلان ذروة الخلاف بين إدارة بايدن وحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول الحرب في غزة.
فبايدن يريد أن تكون الأولوية لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى وأيضا لبناء استراتيجية لإدارة قطاع غزة بعد الحرب بالتنسيق والتفاهم مع الفلسطينيين والدول العربية، بينما لا يريد نتنياهو التوقف إلا بتحقيق هدف تدمير حماس الذي لا يرى إليه طريقاً سوى بإكمال الحرب واجتياح رفح.
تضارب سياسات بايدن وقراراته
لكن إدارة بايدن عادت بعد أيام من إعلان الرئيس تعليق إرسال الأسلحة إلى إسرائيل، لتخبر الكونجرس بأنها بصدد إرسال حزمة أسلحة إليها تتجاوز قيمتها المليار دولار، التي تتضمن عتادًا للدبابات ولمدفعية الهاون ومعدات لمركبات النقل.
ويأتي تضارب سياسات بايدن وقراراته، لأن الوضع الذي يواجهه معقد وصعب سياسيًا، فقد قامت رؤيته الاستراتيجية منذ بدء رئاسته على محاولة الابتعاد عن صراعات الشرق الأوسط من أجل التركيز على التنافس مع الصين وروسيا، لكن حرب غزة أنهت ذلك ودفعت بالشرق الأوسط مرة أخرى إلى أعلى قائمة الأولويات التي تحتم عليه التعامل معها.
الأمور تزداد تعقيدًا
وكان بايدن قد ذهب شخصيًا إلى إسرائيل بعد أيام من هجوم حماس عليها، وأبدى تمسكه بالخط التقليدي في السياسة الأمريكية الداعم لإسرائيل، وكان موقفه آنذاك تعبيرا عن موقف كثير من الأمريكيين المتعاطفين مع إسرائيل التي رأوا أنها تتعرض لهجوم غير مسبوق في درجته وتأثيره.
لكن تردد وقتها أنه نصح نتنياهو بعدم الوقوع في نفس خطأ الولايات المتحدة بعد هجمات الـ 11 من سبتمبر عام 2001، عندما دخلت حربي أفغانستان والعراق.
وشنت إسرائيل الحرب مع ذلك وأيدتها الولايات المتحدة في البداية، وكان اعتماد تل أبيب كبيرًا على الأسلحة الأمريكية كما هو الحال دائمًا، لكن الأمور ازدادت تعقيدًا ودموية في الأشهر التالية.
أرسلت الولايات المتحدة أكثر من 100 شحنة من الأسلحة دعمًا لإسرائيل منذ بدء الحرب وقد بلغت قيمة ذلك نحو ربع مليار دولار، وقد لعبت تلك الأسلحة دورًا كبيرًا بالطبع في العمليات العسكرية.
ضغوط أمريكية يواجهها بايدن
لكن بايدن واجه تعقيدات وانتقادات داخلية وخارجية لموقفه الذي اعتبر داعما لإسرائيل، رغم تزايد دمار الحرب وضحاياها خصوصا في صفوف المدنيين.
ووجدت الولايات المتحدة نفسها معزولة شيئًا فشيئًا على المسرح الدولي في الأمم المتحدة، بسبب تأييدها لإسرائيل مقابل دعوات معظم دول العالم للتوصل لوقف لإطلاق النار وإنهاء معاناة المدنيين الفلسطينيين في غزة.
عاصفة من الاحتجاجات
أما الضغط الأهم والأكثر تأثيرًا على بايدن فقد جاء من داخل الولايات المتحدة، ومن قطاع من الأمريكيين يُعد جزءًا من قاعدة حزبه الديمقراطي الانتخابية.
تمثل ذلك في احتجاجات الطلاب في الجامعات التي طالبت بتغيير سياسته التي يرونها داعمة بالمطلق لإسرائيل. فيما يواجه ضغطًا آخرَ من خصومه في الحزب الجمهوري، حزب الرئيس السابق دونالد ترامب، الذين يرون أنه قد تخلى عن دعم إسرائيل، إذ انتقدوا بشدة قراره تعليق إرسال الأسلحة إلى إسرائيل.
تاريخيًا يعد الكونجرس بغالبيته مؤيدًا لدعم إسرائيل، ويشمل ذلك قادة وسياسيين من الحزبين الكبيرين، وقد أقر الكونجرس في الفترة الأخيرة حزمة مساعدات لإسرائيل قدمها بايدن بلغت قيمتها 15 مليار دولار، كما أن بايدن هو الآخر معروف بالتزامه السياسي الثابت بدعم تل أبيب، لكن الخلافات في وجهات النظر بينه وبين نتنياهو بدأت بالظهور بصورة أوضح في الأسابيع الماضية.
وأصر بايدن على معارضة اجتياح إسرائيل لرفح التي تجمع فيها مئات الآلاف من النازحين، إلا إذا قدمت إسرائيل ضمانات واضحة لحماية المدنيين واستمرار دخول المساعدات، لكن تل أبيب لم تقدم ذلك، ليس هذا فحسب، بل إن المساعي الأمريكية والوساطة القطرية المصرية فشلت في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى.
ومع إصرار إسرائيل على اجتياح رفح، أقدم بايدن على خطوة تعليق إرسال شحنة القذائف الثقيلة التي يصل وزن بعضها إلى ألف كيلوجرام تقريبا.
وكان بايدن يأمل أن يؤدي ذلك إلى الضغط على إسرائيل لتغيير مواقفها وأن يؤدي كذلك إلى إرضاء الغاضبين في قاعدته الانتخابية.
لكن ما واجهه كان عاصفة من الاحتجاجات في صفوف الحزب الجمهوري، وحتى إذا كانت الشخصيات البارزة في حزبه في الكونجرس قد أيدته في خطوته وفي انتقاداته وخلافاته مع نتنياهو، فإن هناك آخرين في الحزب لا يؤيدون الضغط على إسرائيل بهذه الطريقة وأثناء الحرب.
وقد اشارت صحيفة “واشنطن بوست” إلى سخط بعض من كبار الداعمين لحزب بايدن الديمقراطي على خطوته بتعليق إرسال الأسلحة، لتعود إدارة بايدن الآن إلى إخبار الكونجرس بأنها سترسل شحنة أسلحة تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار لإسرائيل.
سياسة أمريكية تتأرجح ووضع سياسي صعب
بلغت حرب غزة، الآن، مرحلة حاسمة مع ما يبدو اقترابا لهجوم إسرائيلي على رفح. وقد بدا أن بايدن اتخذ خطوة نادرة للضغط على إسرائيل، لكنه في الواقع يحاول التحرك سياسيًا في وضع صعب حتى على الرجل الذي يرأس أقوى بلد في العالم.
وها هي سياسة بايدن تتأرجح بين الثوابت التقليدية في دعم إسرائيل وبين محاولة الضغط عليها من أجل استعادة دور الحليف الأكبر القادر على حث إسرائيل على تغيير بعض القرارات والاتجاهات، لأنه من غير ذلك لن تستطيع الولايات المتحدة أن تكون وسيطا بين إسرائيل والفلسطينيين والدول العربية خصوصا في مرحلة ما بعد الحرب.
ولم يعاقب بايدن إسرائيل، بل عبر عن موقف يرمي للضغط على نتنياهو ثم عاد إلى مسار الدعم التسليحي لإسرائيل، آملًا أن تكون رسالته قد وصلت وأثرت على أزمة يتمنى بايدن أن تزول هي وآثارها قريبًا خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، حيث سيحتاج لتوحيد صفوف ناخبي حزبه وكسب أصوات المستقلين، لأنه من غير ذلك لن يستطيع الفوز على ترامب.