أسرار مدينة موط فى الوادي الجديد.. لماذا أطلق عليها “واحة ال
09:26 م
الجمعة 29 نوفمبر 2024
الوادي الجديد – محمد الباريسي:
تعد مدينة موط، عاصمة مركز الداخلة بمحافظة الوادي الجديد، شاهدة على قرون من التاريخ العريق، وهي المدينة التي وصفها المؤرخون بـ”واحة الملائكة” لكونها ملاذًا للمسيحيين في العصور الأولى هربًا من اضطهاد الرومان.
تحمل المدينة إرثًا يمتد لآلاف السنين، إذ تعود جذورها إلى عام 1000 قبل الميلاد، عندما ظهرت لوحة المياه الشهيرة بمعبد الإله آمون، الذي اشتقت الواحة اسمها من زوجته “موت”.
مدينة التلال المسورة
أكد الأثري منصور عثمان، مدير الآثار القبطية والإسلامية بالوادي الجديد سابقا، أن قد بنيت مدينة موط القديمة فوق تلال مرتفعة، محاطة بأسوار لتحصينها ضد اللصوص. هذا التخطيط المعماري كان سمة بارزة في حياة الواحات قديمًا، ومع مرور الزمن، تحولت المدينة إلى مركز إداري وحضاري متجدد، حيث شهدت تغيرات عديدة منذ العصور الفرعونية، مرورًا بالعصر القبطي والإسلامي.
تحولات إدارية في القرن العشرين
أكد الدكتور عبد المنعم حنفي، أستاذ بكلية الآداب جامعة بورسعيد من أبناء مركز الداخلة، أنه في عام 1917، توحدت واحات الداخلة والخارجة ضمن كيان إداري واحد، عُرف بمحافظة الجنوب، وكانت مدينة موط مقرًا لإدارة الواحات الداخلة، قبل هذا التاريخ، كانت واحات القصر وبلاط والقلمون مراكز حكم متعاقبة منذ الفتح الإسلامي.
أوضح حنفي، أن هذا التغيير الإداري عزز من مكانة موط كعاصمة للداخلة، وشهدت المدينة تطورًا ملحوظًا تمثل في إنشاء مقار إدارية، مدارس، وبساتين، وحفر الآبار، ومن بين أبرز المشروعات التعليمية، تأسست أول مدرسة للمكفوفين في موط عام 1925 بواسطة سلاح الحدود، وكانت تهدف لتدريب الطلاب على الحرف اليدوية مثل الخوص والخزف، إلا أن التجربة توقفت مع تطور التعليم الفني وانتشاره.
ميدان الجامع الكبير
يمثل ميدان الجامع الكبير أقدم وأكبر ميادين موط، يضم الميدان المسجد الكبير، الذي شُيد عام 1936، ليصبح أحد أبرز معالم المدينة، كما يحتضن الميدان مكتب بريد موط الرئيسي، الذي تأسس عام 1907، ويعد من أقدم المباني الحكومية هناك. اشتهر المكتب بموظفيه، ومن أبرزهم عم بسيوني، الذي كان يعرف سكان المدينة فردًا فردًا بالاسم والعائلة.
أوضح محمود عبد ربه، جامع التراث الواحاتي ومتخصص في تاريخ الوادي الجديد، أنه قبل ثلاثين عامًا، كانت الحديقة الكثيفة المجاورة للمسجد تضفي جمالًا خاصًا على الميدان، قبل أن تُضم لاحقًا إلى مساحة المجمع الإسلامي، كما شهد الميدان وجود محلات شهيرة مثل محل سيد رفاعي ومطعم القلموني، الذي يعود إلى عام 1964، وعربة فول عم بشندي التي كانت وجهة مفضلة لسكان المدينة في الصباح.
زيارة البعثة الفرنسية
من جانبه أكد الدكتور عبد المنعم حنفي، أنه في عام 1954، زارت بعثة فرنسية علمية وأثرية مصر لاستكشاف الواحات الغربية، جذبت مدينة موط أنظار البعثة بجمالها الطبيعي وموقعها المميز، ووصفتها كلوحة فنية من أعلى نقطة في المدينة.
وقال حنفي، إنه بعد سنوات قليلة، وثّق الكاتب عبد اللطيف واكد زيارته للواحات الداخلية في كتابه “واحات مصر: جزر الرحمة وجنات الصحراء” عام 1957، ووصف واكد المدينة بأنها منقسمة إلى موط “الأصيلة”، التي تقع على هضبة متوسطة وتتميز بمبانيها التقليدية المسقوفة، وموط “الدخيلة”، التي بنيت بطراز حديث يضم مراكز إدارية، محاكم، مستشفيات، واستراحات حكومية.
وأشار، إلى أنه قد أبرز واكد دور موط الزراعي، حيث تعتمد المدينة على الزراعة المحصولية، باستخدام الري بالآلات التي تضخ المياه مباشرة إلى الحقول، أشار أيضًا إلى تقنيات الري التقليدية، مثل السواقي المصنوعة من الفخار، التي كانت شائعة في الواحات.
التغييرات المعمارية والاجتماعية
أكد محمود عبد ربه، أنه على مدار العقود، شهدت موط تغييرات جذرية، حيث أزيلت معظم البيوت القديمة لتحل محلها مبانٍ خرسانية، على الرغم من هذه التحولات، بقيت ذكريات المدينة الأصيلة حاضرة في أذهان أهلها، الذين يتذكرون دفء بيوتها في الشتاء وبرودتها في الصيف.
مقومات السياحة العلاجية
تتمتع مصر بعدد من المعالم الطبيعية الفريدة التي تجذب السياح من مختلف أنحاء العالم، ومن أبرز هذه المعالم آبار موط الساخنة الواقعة في محافظة الوادي الجديد، هذه الآبار الطبيعية التي تقع على بعد 3 كيلومترات من مدينة “موط”، عاصمة الواحات الداخلة، تشهد إقبالاً كبيرًا من الزوار سنويًا، لا سيما الباحثين عن السياحة العلاجية.
أكد محسن عبد المنعم الصايغ، مدير عام الهيئة المصرية لتنشيط السياحة بالوادي الجديد، أن آبار موط تعد واحدة من أهم المواقع العلاجية في مصر، حيث تنبع مياهها من عمق يصل إلى 1224 مترًا، وتتميز بدرجة حرارة تصل إلى 45 درجة مئوية، تحتوي المياه على العديد من العناصر المعدنية المفيدة، مما يجعلها فعالة في علاج العديد من الأمراض مثل الروماتيزم، الصدفية، وألم الجسم بشكل عام، من المعروف أن الواحات الداخلة، التي تعد جزءًا من الصحراء الكبرى، تضم أكثر من 500 ينبوع ساخن، مما يجعلها واحدة من أهم وجهات السياحة العلاجية في مصر.
دعوة لاستذكار الماضي
لا تزال موط تحتفظ بجزء من روحها التاريخية، وهو ما يدعو أهل المدينة لاستعادة ذكريات الزمن الجميل، والتحدث عن ميدان الجامع الكبير الذي كان محور حياتهم اليومية، ومركزًا للحكايات التي تعكس أصالة واحة الملائكة.
ختاما تبقى موط شاهدًا حيًا على التاريخ الممتد عبر العصور، مدينة جمعت بين عبق الماضي ورؤية المستقبل، واحة الملائكة التي سطرت صفحات مشرقة في كتاب التاريخ.