مغامرة في النيل.. شباب يخوضون رحلة الكياك من أسوان إلى “مرج البحرين”

في قلب مصر، وعلى امتداد شريان الحياة، نهر النيل، انطلقت مؤخرًا مغامرة فريدة من نوعها، سطّرها شباب مصريون بضربات مجاديفهم في مياه النيل المتدفقة. رحلة غير تقليدية من أسوان إلى القاهرة، بقوارب الكياك، متحدين صعاب الطريق ومستلهمين العزيمة من جمال الطبيعة الخلابة. هذه القصة ليست مجرد رحلة سياحية، بل هي تجسيد لروح المغامرة المصرية، وإيمان الشباب بقدراتهم، واكتشاف جمال وطنهم بطريقة مختلفة. الهدف من هذه الرحلة هو إثبات أن رحلة الكياك في النيل ممكنة وممتعة، حتى بدون دعم لوجستي كبير.
إلهام من النيل: قصة انطلاق المغامرة
لم تكن هذه الرحلة وليدة اللحظة، بل كانت حلمًا يراود مجموعة من الأصدقاء الذين يجمعهم شغف السفر، واكتشاف الأماكن الجديدة، والتخييم في أحضان الطبيعة. أحمد عويس، أحد المشاركين في هذه المغامرة، أوضح أن فكرة القيام برحلة كياك في النيل كانت دائمًا حاضرة في أذهانهم، لكنها بدت مستحيلة التحقيق بدون تنظيم رسمي أو دليل سياحي. إلا أنهم قرروا أن يتحدوا هذه الصعوبات، وأن يعتمدوا على أنفسهم، وعلى خبرتهم في الكياك والتخييم، وعلى جمال النيل نفسه ليكون دليلهم.
“إحنا مجرد مجموعة أصدقاء بنحب السفر والأماكن الجديدة والتخييم وسط الطبيعة، فكرة إننا نعمل كياك في أماكن مختلفة كانت دايما في دماغنا”، هكذا عبّر أحمد عويس عن الدافع الحقيقي وراء هذه المغامرة. لم يكن الهدف هو الوصول إلى القاهرة بأي ثمن، بل كان الهدف هو الاستمتاع بالرحلة، واكتشاف جمال النيل، وتحدي الذات.
المرحلة الأولى: من جزيرة سهيل إلى كوم أمبو
بدأت رحلة الكياك في النيل من جزيرة سهيل بأسوان، متجهة نحو معبد كوم أمبو، وهي مسافة تقدر بحوالي 52 كيلومترًا داخل مجرى النيل. أدرك الفريق في البداية أن إكمال الرحلة بأكملها دفعة واحدة سيكون صعبًا للغاية، نظرًا للتحديات التي قد تواجههم على طول الطريق، مثل التيارات المائية القوية، والظروف الجوية المتغيرة، والحاجة إلى الراحة والتزود بالإمدادات.
لذلك، قرروا تقسيم الرحلة إلى مراحل متتالية، بحيث يتمكنون من الاستمتاع بكل مرحلة على حدة، والتغلب على التحديات بشكل تدريجي. “في البداية كنا عايزين نعملها مرة واحدة، لكن أدركنا إنها صعبة، فقررنا نقسمها على مراحل، وكانت أول مرحلة من أجمل التجارب اللي عشناها”، كما قال عويس.
سحر الطبيعة البكر
خلال المرحلة الأولى، واجه الفريق مشاهد طبيعية خلابة، وصفها أحمد عويس بأنها “لم يرَ مثلها من قبل في أي مكان داخل مصر”. جزر نيلية غير مأهولة، طيور مهاجرة تحيط بهم في صمت مهيب، مياه النيل الصافية التي تعكس جمال السماء، كل هذه المشاهد كانت بمثابة لوحة فنية طبيعية، تزيد من حماسهم وإصرارهم على إكمال الرحلة. كانوا يخيمون في أي جزيرة تعجبهم، ويستمتعون بجمال الطبيعة الخلابة، بعيدًا عن صخب الحياة وضغوطها.
كرم الضيافة المصرية: لمسة إنسانية في الرحلة
لم تقتصر رحلة الكياك في النيل على الاستمتاع بجمال الطبيعة، بل كانت أيضًا فرصة للتعرف على الثقافة المصرية الأصيلة، والتفاعل مع أهل النيل الطيبين. التقى الشباب بصيادي أسوان، واشتروا منهم سمكًا طازجًا قاموا بشوائه على ضفاف النيل، مستمتعين بمذاقه اللذيذ، وبأجواء الصداقة والمحبة التي سادت بينهم.
“قابلنا أهل أسوان، أهل الكرم والضيافة، وكانت لحظات بسيطة لكنها مؤثرة جدا”، هكذا عبّر أحمد عويس عن تقديره لكرم الضيافة المصرية، وللمشاعر الإيجابية التي تركها أهل أسوان في نفوسهم. هذه اللمسة الإنسانية أضافت بعدًا آخر للرحلة، وجعلتها تجربة لا تُنسى.
المرحلة الثانية وما بعدها: نحو حلم القاهرة
استغرقت المرحلة الأولى من الرحلة ثلاثة أيام، وصفها أحمد عويس بأنها من أجمل رحلات الكياك التي خاضها في حياته. بعد ذلك، انطلقت المرحلة الثانية من كوم أمبو إلى إدفو، بمشاركة أصدقاء جدد انضموا إلى التجربة بقواربهم، مما زاد من حماسهم وإصرارهم على إكمال الرحلة.
ويطمح الفريق إلى مواصلة رحلتهم حتى الوصول إلى القاهرة، أو حتى إلى مصب النيل في البحر المتوسط، وهو المكان الذي يعرف بـ”مرج البحرين”، والذي ورد ذكره في القرآن الكريم في سورة الرحمن. “وبإذن الله نقدر نكمل لحد القاهرة، أو حتى لحد مصب النيل في البحر المتوسط”، هكذا اختتم أحمد عويس حديثه، معبرًا عن تفاؤله بإمكانية تحقيق حلمهم. هذه المغامرة تعتبر بمثابة السياحة النيلية بطريقة مبتكرة، وتشجع على استكشاف جمال مصر الطبيعي. كما أنها تبرز أهمية الأنشطة المائية في مصر، وإمكانية تطويرها لتصبح وجهة سياحية جاذبة للشباب من جميع أنحاء العالم.
في الختام، تُظهر هذه الرحلة أن الإرادة والعزيمة يمكن أن تحول الأحلام إلى حقيقة، وأن النيل ليس مجرد نهر، بل هو مصدر إلهام، ورمز للحياة، وشريان يربط بين قلوب المصريين. نتمنى للفريق التوفيق في رحلتهم، وأن يتمكنوا من تحقيق حلمهم، وأن يوصلوا رسالتهم إلى العالم أجمع: مصر جميلة، والنيل يستحق الاكتشاف.












