الطاقة الدولية ترى تهديداً بانخفاض إنتاج النفط الروسي بسبب العقوبات الأميركية

أثارت العقوبات الأمريكية الأخيرة على قطاع الطاقة الروسي مخاوف متزايدة بشأن مستقبل إنتاج النفط الروسي وتأثيره المحتمل على الأسواق العالمية. فقد حذرت وكالة الطاقة الدولية من وجود “مخاطر كبيرة للانخفاض” في إنتاج النفط الروسي نتيجة لهذه العقوبات، على الرغم من أنها توقفت عن تقديم تقديرات محددة لحجم هذا التأثير حتى تتضح تفاصيل التطبيق بشكل كامل. تشكل هذه التطورات تحدياً جديداً للاقتصاد الروسي وتهدد بتقويض قدرته على تمويل الحرب في أوكرانيا.
العقوبات الأمريكية وتأثيرها على إنتاج النفط الروسي
في الشهر الماضي، فرضت الولايات المتحدة أشدّ العقوبات على الإطلاق ضد قطاع الطاقة الروسي، مستهدفةً بشكل مباشر شركتي “روسنفت” و”لوك أويل”، وهما أكبر منتجي النفط في البلاد. يهدف هذا الإجراء إلى الحد من الإيرادات التي يحصل عليها الكرملين من صادرات النفط، وبالتالي الضغط على الرئيس فلاديمير بوتين لإنهاء الصراع في أوكرانيا. تعتبر هذه الخطوة بمثابة تصعيد كبير في الجهود الغربية لاقتصاد روسيا، وتهدف إلى تجفيف مصادر تمويل الحرب.
وحتى الآن، حافظت وكالة الطاقة الدولية على تقديراتها لإنتاج روسيا من النفط الخام، والتي تبلغ في المتوسط 9.3 مليون برميل يومياً خلال الربع الحالي والعام المقبل. ومع ذلك، أكدت الوكالة أنها ستراجع هذا التوقع بمجرد توفر مزيد من المعلومات حول آليات تطبيق العقوبات والحلول البديلة التي قد تلجأ إليها روسيا.
تكيّف روسيا السريع مع العقوبات
على الرغم من العقوبات، أظهرت روسيا مرونة ملحوظة في قدرتها على التكيف مع القيود المفروضة عليها. فقد نجحت في إنشاء شركات شحن نفطية جديدة بسرعة، وزيادة حجم النفط المنقول عبر أسطولها الخاضع للعقوبات. في الواقع، في الشهر الماضي، قامت ثلاث شركات جديدة، تعمل منذ مايو ولم تدرج في قوائم العقوبات، بتصدير حوالي مليون برميل يومياً من النفط الخام والمنتجات الروسية، وفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة.
هذا التكيف السريع يضع علامة استفهام حول فعالية العقوبات، ويشير إلى أن استمرار تدفق صادرات النفط الروسي يعتمد بشكل كبير على كيفية تطبيق العقوبات على أرض الواقع، وعلى استعداد المشترين الرئيسيين لتحمل المخاطر المرتبطة بشراء النفط الروسي. العقوبات على النفط الروسي تظل قضية معقدة تتطلب مراقبة دقيقة.
الأثر المحتمل على الأسواق العالمية
تعتبر خطوة استهداف روسنفت ولوك أويل “الأكثر شمولاً حتى الآن” على أسواق النفط العالمية، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية. فإن تفكيك سلاسل القيمة العالمية لهاتين الشركتين يمثل خطرًا يتجاوز حدود روسيا، ويمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في الإمدادات وارتفاع في الأسعار.
على الرغم من استمرار تدفق صادرات النفط الروسي حتى الآن بشكل كبير دون انقطاع، إلا أن هناك زيادة في حجم الشحنات التي تتم عبر السفن، بينما يقوم المشترون الرئيسيون بتقييم المخاطر المحتملة. وقد لوحظ بالفعل تراجع في الإمدادات الروسية إلى الهند، مما يشير إلى أن العقوبات بدأت تؤثر على بعض الأسواق. في أكتوبر، صدّرت روسيا ما مجموعه 7.4 مليون برميل يومياً من النفط الخام ومنتجات البترول، وهو أقل قليلاً من مستواها في الشهر السابق.
انخفاض إيرادات النفط الروسي
أدى انخفاض أسعار النفط الروسي إلى تراجع إجمالي إيرادات البلاد من صادرات النفط إلى 13.1 مليار دولار، وهو أدنى مستوى له منذ خمسة أشهر. هذا الانخفاض في الإيرادات يمثل مشكلة كبيرة للكرملين، الذي يعتمد بشكل كبير على ضرائب النفط والغاز لتمويل ميزانيته. أسعار النفط تلعب دوراً حاسماً في الاستقرار المالي لروسيا.
توقعات الميزانية الروسية وتأثير العقوبات
تتوقع الحكومة الروسية أن تكون إيرادات الضرائب من قطاع النفط والغاز في عام 2025 هي الأدنى منذ جائحة كورونا. وفي ظل عدم وجود نية لدى الرئيس بوتين لتقليص الإنفاق العسكري، من المتوقع أن يسجل عجز الميزانية الروسية مستوى قياسياً يصل إلى 5.7 تريليون روبل (70.3 مليار دولار)، أي ما يعادل حوالي 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.
هذه التوقعات تشير إلى أن العقوبات الأمريكية بدأت بالفعل في إحداث تأثير ملموس على الاقتصاد الروسي، وأن الوضع قد يتدهور بشكل أكبر في المستقبل إذا استمرت العقوبات في إعاقة إنتاج وتصدير النفط. من الواضح أن العقوبات تهدف إلى الضغط على روسيا على المدى الطويل، وتقويض قدرتها على مواصلة الحرب في أوكرانيا.
في الختام، تظل التطورات المتعلقة بالعقوبات على قطاع النفط الروسي والآثار المترتبة عليها على الأسواق العالمية موضوعًا بالغ الأهمية. من الضروري متابعة التطورات عن كثب، وتقييم فعالية العقوبات، والبحث عن حلول لضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية. نأمل أن يساهم هذا التحليل في فهم أعمق لهذه القضية المعقدة.












