واشنطن تتجه لزيادة استثماراتها بشركات المعادن النادرة لمواجهة نفوذ الصين

تتجه الولايات المتحدة نحو تغيير استراتيجي كبير في سياستها المتعلقة بالمعادن الحرجة، حيث تخطط الحكومة للاستحواذ على حصص أكبر في الشركات العاملة في هذا القطاع. يأتي هذا التوجه في ظل تصاعد التوترات التجارية مع الصين، والتي تسيطر بشكل كبير على سلسلة إمدادات هذه المواد الحيوية الضرورية لعدد كبير من الصناعات التكنولوجية والاستراتيجية. هذا التحرك، الذي كان نادر الحدوث في السابق، يهدف إلى تعزيز الأمن القومي الأمريكي وتقليل الاعتماد على مصادر خارجية غير موثوقة.
أهمية المعادن الحرجة وتصاعد التنافس العالمي
أصبحت المعادن الحرجة، مثل الغاليوم والكوبالت والليثيوم، مكونات أساسية في العديد من المنتجات الحديثة. بدءًا من الهواتف الذكية وأجهزة “آيفون” وصولاً إلى المغناطيسات الصناعية وأنظمة الدفاع المتقدمة، تعتمد التكنولوجيا الحديثة بشكل متزايد على هذه المواد. كما أن هذه المعادن ضرورية لتطوير تقنيات الطاقة النظيفة، مثل البطاريات، والتي تعتبر مفتاحًا لخفض الانبعاثات الكربونية ومكافحة تغير المناخ.
هذا التنوع في الاستخدامات هو ما جعل المعادن الحرجة مركزًا رئيسيًا للتنافس الجيوسياسي. فالصين، وبفضل استثماراتها الضخمة في هذا القطاع، تمكنت من بسط نفوذها وهيمنتها على غالبية مراحل الإنتاج، بدءًا من التعدين وحتى المعالجة والتصنيع. هذه الهيمنة تثير قلقًا بالغًا في الولايات المتحدة ودول أخرى، خاصة مع تزايد المخاوف بشأن استخدام هذه المواد كأداة للضغط السياسي.
استثمارات أمريكية كبيرة في قطاع المعادن النادرة
لمواجهة هذا التحدي، بدأت إدارة ترامب في اتخاذ خطوات جادة لتعزيز إنتاج المعادن الحرجة داخل الولايات المتحدة. وقد خصصت الإدارة أكثر من مليار دولار خلال العام الماضي للاستحواذ على حصص في شركات متخصصة في استكشاف وتعدين هذه المعادن. أدت هذه الاستثمارات إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار أسهم الشركات المعنية، مما يعكس الثقة المتزايدة في مستقبل هذا القطاع.
أبرز صفقات الاستحواذ على شركات المعادن
شملت أبرز صفقات الاستحواذ التي قامت بها إدارة ترامب ما يلي:
- الاستحواذ على حصة بنسبة 15% في شركة “إم بي ماتيريالز كورب” (MP Materials Corp) مقابل 400 مليون دولار.
- الاستثمار بحوالي 670 مليون دولار للحصول على حصة في شركة “فولكان إيليمنتس” (Vulcan Elements) المنتجة للمغناطيس.
- شراء 10% من شركة الاستكشاف الكندية “تريولوجي ميتالز” (Trilogy Metals) مقابل 35.6 مليون دولار.
بالإضافة إلى ذلك، قامت الإدارة بإعادة هيكلة قرض بقيمة 2.23 مليار دولار لشركة “ليثيوم أميركاز” (Lithium Americas)، مقابل الحصول على حصة في الشركة التي تطور أكبر احتياطي لليثيوم في الولايات المتحدة. هذه الخطوة تهدف إلى تأمين إمدادات كافية من الليثيوم، وهو عنصر أساسي في صناعة البطاريات.
لماذا التحول نحو الاستحواذ على حصص في الشركات؟
أكد جارود أجن، المدير التنفيذي للمجلس الوطني لهيمنة الطاقة، أن الاستحواذ على حصص في شركات المعادن الحرجة أصبح ضرورة ملحة. وأضاف أن العديد من الشركات تقدم مقترحات للاستفادة من الدعم الحكومي الأمريكي، معتبرًا أن هذا هو السبيل الوحيد لمواجهة التفوق الصيني في هذا المجال.
هذا التحول في الاستراتيجية يعكس اعترافًا بأن مجرد تقديم الدعم المالي للشركات لا يكفي، وأن وجود الحكومة كشريك استراتيجي يمنح هذه الشركات ميزة تنافسية كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، يرسل هذا التحرك رسالة قوية إلى الصين بأن الولايات المتحدة مصممة على تأمين إمداداتها من المعادن الحرجة وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
المعادن النادرة والأمن القومي الأمريكي
تعتبر هذه الاستراتيجية، التي تُوظَّف فيها أموال دافعي الضرائب في دعم شركات تعتبرها الإدارة ضرورية للأمن القومي، بمثابة خطوة جريئة نحو حماية المصالح الأمريكية. فالاعتماد على الصين في الحصول على المعادن الحرجة يجعل الولايات المتحدة عرضة للابتزاز السياسي والتعطيل المحتمل لسلاسل الإمدادات.
وقد أثبتت الأحداث الأخيرة صحة هذه المخاوف، حيث ردت الصين على القيود الأمريكية على الصادرات بتقييد شحنات العناصر الأرضية النادرة، مما تسبب في اضطرابات في الإمدادات العالمية. على الرغم من أن الصين خففت القيود لاحقًا، إلا أن هذه الخطوة كشفت عن مدى هشاشة الوضع الحالي وأهمية تنويع مصادر الإمداد. هذا الأمر يعزز أهمية البحث عن بدائل وقيادة عالمية في مجال تعدين المعادن النادرة.
نظرة مستقبلية
يُظهر توجه الحكومة الأمريكية نحو الاستحواذ على حصص في شركات المعادن الحرجة التزامًا استراتيجيًا طويل الأجل بتأمين إمدادات هذه المواد الحيوية. على الرغم من أن أجن رفض الكشف عن الشركة التالية المحتملة، فمن المتوقع أن تستمر الإدارة في البحث عن فرص استثمارية جديدة في هذا القطاع.
بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تشجع هذه الخطوة الشركات الخاصة الأخرى على زيادة استثماراتها في استكشاف وتعدين المعادن الحرجة، مما سيؤدي إلى خلق المزيد من فرص العمل وتحفيز النمو الاقتصادي. هذا التحرك يعتبر نقطة تحول في السياسة الأمريكية تجاه المعادن الاستراتيجية، ويشير إلى أن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام جميع الأدوات المتاحة لها لحماية مصالحها الوطنية. الاستثمار في قطاع التعدين أضحى ضرورة حتمية.
إن مستقبل التكنولوجيا والأمن القومي الأمريكي يعتمد بشكل كبير على توفر إمدادات مستدامة من المعادن الحرجة. والاستحواذ على حصص في الشركات هو خطوة هامة نحو تحقيق هذا الهدف.












