متداولو بتكوين يحصّنون مراكزهم تحسباً لشتاء العملات المشفرة
تشهد سوق العملات المشفرة حالة من الترقب والحذر، حيث تشير عقود خيارات بتكوين إلى توقعات التجار باستمرار العملة الرقمية الرائدة في نطاق تداولها الحالي. يأتي هذا التوجه في أعقاب تراجع كبير في الربع الأخير، أسفر عن تبخر أكثر من تريليون دولار من القيمة السوقية الإجمالية للأصول الرقمية. فقد انخفضت بتكوين بنسبة تصل إلى 4.4% لتصل إلى 88135 دولارًا أمس، متراجعة بذلك عن متوسط نطاق التداول الذي حافظت عليه خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، والذي يتراوح بين 100 ألف و80 ألف دولار.
عقود خيارات بتكوين: مؤشر على التداول في نطاق محدد
تُظهر بيانات منصة “ديريبِت” (Deribit)، التابعة لشركة “كوين بيس” (Coinbase)، زيادة ملحوظة في عقود الخيارات المفتوحة التي تنتهي صلاحيتها في أواخر ديسمبر. يعزى هذا الارتفاع جزئيًا إلى قيام التجار ببيع العقود لتحقيق أرباح من العلاوات، استنادًا إلى توقعات بضعف التقلبات في المدى القريب. هذا يشير إلى أنهم لا يتوقعون تحركات سعرية كبيرة في أي من الاتجاهين.
يقول جاسبر دي مار، خبير استراتيجي في “وينترميت”، في مذكرة حديثة: “تعكس عقود خيارات بتكوين تفضيلاً واضحًا لتداول النطاق على المدى القريب، حيث يراهن التجار على انخفاض التقلبات وتخفيف المراهنة على تحركات السعر في كلا الاتجاهين. وفي الوقت نفسه، لا تزال العقود الأطول أجلاً تحظى باهتمام إضافي، مما يشير إلى توقعات بالاستقرار الحالي مع إمكانية حدوث تحركات أكبر لاحقًا.”
تراجع بتكوين بعد مستويات قياسية
يذكر أن بتكوين سجلت في وقت سابق من هذا العام مستوى قياسيًا تاريخيًا تجاوز 126 ألف دولار. ومع ذلك، أدت موجة الهبوط التي استمرت شهرين، والتي تضمنت عمليات تصفية قسرية بمليارات الدولارات وتراجع حماس المستثمرين الأفراد، إلى تراجع واسع النطاق في القطاع بأكمله.
تشير الإشارات إلى ضعف الثقة المؤسسية أيضًا إلى هذا التوجه. فقد سجل صندوق “آي شيرز بتكوين تراست” (iShares Bitcoin) التابع لشركة “بلاك روك” أطول سلسلة من السحوبات الأسبوعية منذ إطلاقه في يناير 2024. سحب المستثمرون أكثر من 2.7 مليار دولار من الصندوق خلال خمسة أسابيع حتى 28 نوفمبر الماضي، واستمرت عمليات السحب مع 113 مليون دولار إضافية في اليوم قبل الماضي، مما يشير إلى أن الصندوق يتجه نحو تسجيل أسبوعه السادس على التوالي من التدفقات الخارجة.
أداء بتكوين يتخلف عن مؤشر S&P 500
أدى الهبوط الأخير في أداء بتكوين إلى انخفاض عوائدها السنوية عن عوائد مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” للمرة الأولى منذ أكثر من عقد. هذا الانفصال ملحوظ بشكل خاص، حيث نادرًا ما انحرفت العملة الرقمية بهذا الوضوح عن الأصول عالية المخاطر الأخرى، حتى خلال فترات “شتاء العملات المشفرة” السابقة.
يخالف هذا التطور التوقعات التي أشارت إلى ازدهار العملات المشفرة مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وسط آمال في بيئة تنظيمية أكثر ملاءمة وزيادة في مشاركة المؤسسات في هذا المجال. التحليل الفني للعملات الرقمية يشير إلى أن الدعم الرئيسي يقع عند مستوى 85,000 دولار، وأن المقاومة الرئيسية تقع عند مستوى 95,000 دولار.
“شتاء العملات المشفرة” والتقلبات التاريخية
لقد شهدت الأصول الرقمية دورات صعود وهبوط على مر السنين، وأفرزت هذه الدورات مجموعة من المصطلحات الخاصة لوصف التقلبات، مثل “شتاء العملات المشفرة” الذي يشير إلى فترات التراجع العميق. آخر موجة “شتاء” كبيرة حدثت بين أواخر عام 2021 وفترة طويلة من عام 2023، عندما انخفض سعر بتكوين بأكثر من 70% من ذروته.
تاريخيًا، تحركت بتكوين والأسهم في اتجاه واحد، وهي علاقة برزت بقوة خلال جائحة كوفيد-19، حيث ساهمت أسعار الفائدة المنخفضة في إشعال موجات صعود في الأسهم والعملات المشفرة والاستثمارات المضاربية الأخرى.
مؤشرات إضافية على التراجع
تظهر عقود العقود الدائمة لبتكوين، والتي تمثل أكبر حجم في تداولات العملات المشفرة، اتجاهًا هابطًا. كما تحول معدل التمويل إلى النطاق السلبي، مما يعني أن المستثمرين الذين يراهنون على انخفاض السعر يدفعون للمراهنين على الصعود للاحتفاظ بمراكزهم البيعية.
تتعرض العملات البديلة أيضًا لضغوط مماثلة. لا يزال تجار عقود خيارات “إيثر” يتخذون موقفًا دفاعيًا، مع التركيز على الحماية من الهبوط والمشاركة الانتقائية فقط في الرهانات على الصعود. بالإضافة إلى ذلك، يشير تراجع أحجام تداول العملات البديلة عبر منصات التمويل اللامركزي مثل “هايبر ليكويد” (Hyperliquid) إلى تعافٍ بطيء لتلك الأصول منذ موجة التصفية التاريخية في 10 أكتوبر الماضي، والتي أدت إلى خسارة حوالي 19 مليار دولار من الأصول الرقمية. كما لم تشهد عقود الخيارات المفتوحة للعقود المستقبلية للرموز المشفرة الأصغر مثل “سولانا” و”إكس آر بي” تعافيًا ملحوظًا منذ الانهيار في أوائل أكتوبر الماضي.
في الختام، تشير المؤشرات الحالية إلى أن سوق بتكوين والعملات المشفرة بشكل عام يمر بمرحلة من التثبيت والترقب. من المهم للمستثمرين مراقبة هذه التطورات عن كثب واتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على تحليل دقيق للسوق. هل سيتمكن بتكوين من استعادة زخمه الصعودي، أم سيستمر في التداول في نطاقه الحالي؟ الإجابة على هذا السؤال ستعتمد على مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك التطورات التنظيمية، والظروف الاقتصادية العالمية، ومعنويات المستثمرين.
