اخبار الاقتصاد

ستارمر: الصين تمثل تهديداً للأمن القومي البريطاني

أثارت تصريحات رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الأخيرة حول الصين جدلاً واسعاً، حيث وصفها بأنها “تهديد للأمن القومي” في الوقت الذي أكد فيه على ضرورة تعزيز التعاون التجاري مع بكين. هذا التوازن الدقيق بين المخاوف الأمنية والمصالح الاقتصادية يمثل محوراً رئيسياً في السياسة الخارجية البريطانية الجديدة، ويشير إلى تحول في النهج تجاه الصين. وتأتي هذه التصريحات في ظل توترات متزايدة بين البلدين بسبب اتهامات لندن المتكررة بالتجسس الصيني.

العلاقات البريطانية الصينية: تهديد للأمن أم ضرورة اقتصادية؟

أكد كير ستارمر في خطاب له أمام قادة الأعمال، مساء الاثنين، أن العلاقة بين بريطانيا والصين قد شهدت “تذبذباً طويلاً”. وأضاف أن بلاده بحاجة إلى اتباع نهج “جاد” يتجاوز التبسيط المفرط، مؤكداً على إمكانية العمل والتجارة مع الصين مع الحفاظ على الأمن القومي. هذا النهج يبتعد عن فكرة “العصر الذهبي” أو “العصر الجليدي” في العلاقات الثنائية، ويسعى إلى إيجاد مسار عملي يسمح بالموازنة بين المصالح المتضاربة.

وانتقد ستارمر الحكومة البريطانية المحافظة السابقة، متهماً إياها بالتسبب في تدهور العلاقات مع الصين، واصفاً ذلك بأنه “تقصير في أداء الواجب”. يبدو أن حكومة العمال الحالية تسعى إلى إعادة بناء الجسور مع بكين بعد فترة من البرود والشكوك، لكن مع الحفاظ على الحذر واليقظة.

رد فعل الصين على التصريحات

لم تتأخر السفارة الصينية في لندن في الرد على تصريحات ستارمر، حيث اعتبرتها “اتهامات لا أساس لها”. هذا الرفض القاطع يعكس حساسية الصين تجاه أي انتقادات موجهة إليها، وخاصة تلك المتعلقة بالأمن القومي. وتعتبر الصين هذه الاتهامات محاولة لتشويه سمعتها وتقويض علاقاتها مع الدول الأخرى.

تحسين العلاقات مع الصين ضمن أولويات حكومة العمال

منذ توليه منصبه، سعى كير ستارمر إلى تحسين العلاقات مع الصين، ووضعها ضمن أولويات سياسته الخارجية. وقد بدأت هذه الجهود بالفعل في ترجمتها إلى زيارات متبادلة بين المسؤولين، حيث قام أربعة وزراء بريطانيين على الأقل بزيارة الصين منذ انتخاب حكومة العمال العام الماضي.

وتأتي هذه التحركات في سياق عالمي يشهد تزايداً في أهمية الصين كقوة اقتصادية وسياسية. وتدرك بريطانيا أن الانخراط مع الصين ضروري لتحقيق مصالحها الاقتصادية والتجارية، خاصة في ظل التحديات العالمية المتزايدة.

الأمن القومي خط أحمر

على الرغم من الرغبة في تعزيز التعاون التجاري، شدد رئيس الوزراء البريطاني على أن حماية الأمن القومي هي “أمر غير قابل للتفاوض”. وأوضح أن اتخاذ خطوات حازمة للحفاظ على الأمن لا يتعارض مع التعاون في مجالات أخرى. هذه الرسالة تهدف إلى طمأنة الحلفاء الغربيين، الذين يشاركون بريطانيا مخاوفها بشأن الأنشطة الصينية، وإلى توضيح موقف الحكومة البريطانية بأنها لن تضحي بأمنها من أجل المكاسب الاقتصادية.

ويبدو أن هذا الموقف يعكس قلقاً متزايداً في الأوساط الأمنية والاستخباراتية البريطانية بشأن الأنشطة الصينية، وخاصة تلك المتعلقة بالتجسس وسرقة الملكية الفكرية. وقد أصدر جهاز الاستخبارات البريطاني الداخلية (MI5) في نوفمبر الماضي تحذيراً إلى أعضاء البرلمان وموظفيهم من محاولات تجسس صينية جديدة تستهدف مقر مجلس العموم في ويستمنستر. هذا التحذير أثار صدمة واسعة في الأوساط السياسية والأمنية البريطانية، وأكد على خطورة التهديد الذي تمثله الصين.

مقارنة بالزيارات الأوروبية للصين

في الوقت الذي تسعى فيه بريطانيا إلى إعادة تقييم علاقاتها مع الصين، فإن القادة الأوروبيين الآخرين يبدون أكثر استعداداً للانخراط مع بكين. فقد زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الصين مرتين، ويستعد للزيارة الثالثة هذا الأسبوع، بينما زار القادة الألمان الصين أربع مرات منذ عام 2018. أما آخر زعيم بريطاني زار الصين فكانت رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي في عام 2018.

وتشير هذه المقارنة إلى أن بريطانيا قد تكون متخلفة عن الركب في ما يتعلق بالانخراط مع الصين، وأنها بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لتعزيز علاقاتها مع بكين. في الوقت نفسه، يجب على بريطانيا أن تحافظ على موقفها الحازم بشأن حماية الأمن القومي، وأن لا تتنازل عن مبادئها من أجل المكاسب الاقتصادية.

مستقبل العلاقات البريطانية الصينية

من المتوقع أن يشهد العام المقبل تطورات مهمة في العلاقات بين بريطانيا والصين، حيث يستعد كير ستارمر لزيارة الصين. هذه الزيارة ستكون فرصة مهمة للحوار المباشر مع القيادة الصينية، ومناقشة القضايا العالقة، وبناء الثقة المتبادلة.

بشكل عام، فإن العلاقة بين بريطانيا والصين معقدة ومتعددة الأوجه. وتتطلب إدارة هذه العلاقة توازناً دقيقاً بين المصالح المتضاربة، وحذراً ويقظة في التعامل مع التحديات والمخاطر. إن إيجاد هذا التوازن هو المفتاح لضمان مستقبل مستدام للعلاقات البريطانية الصينية، وتحقيق المصلحة الوطنية لكلا البلدين. فالتعامل مع الصين يتطلب فهماً عميقاً لطموحاتها وأهدافها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى