ترمب ينجح في رعاية سلام بين رواندا والكونغو ويوقع اتفاقات اقتصادية

وسط تفاؤل حذر، استضاف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قادة رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في واشنطن لتوقيع اتفاق سلام واتفاقيات اقتصادية جديدة. يأتي هذا الحدث في ظل صراع مستمر منذ ثلاثة عقود في المنطقة، ولا يزال يهدد الاستقرار الإقليمي. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ستمثل هذه الجهود نقطة تحول حقيقية نحو السلام الدائم، أم أنها مجرد محاولة أخرى لحل أزمة معقدة؟
اتفاقيات واشنطن: مبادرة ترمب للسلام والتجارة
أشاد الرئيس ترمب بالاتفاقات التي جرت مراسم توقيعها يوم الخميس، واصفاً إياها بأنها انتقال من “سنوات من القتل” إلى “سنوات من العناق والمصافحة والاستفادة الاقتصادية”. وقد تم إبرام هذه الاتفاقيات، المعروفة باسم “اتفاقيات واشنطن”، في مبنى كان يسمى سابقاً “معهد الولايات المتحدة للسلام”، لكن وزارة الخارجية قامت بتغيير اسمه ليحمل اسم الرئيس ترمب قبل يوم واحد فقط من الاحتفال. ترافق توقيع اتفاق السلام مع مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية التي تهدف إلى تعزيز التعاون التجاري والاستثماري بين الولايات المتحدة ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
المصالح الاقتصادية الأمريكية: الوصول إلى المعادن الحيوية
تحمل الاتفاقيات الاقتصادية جانباً مهماً يتعلق بمصالح الولايات المتحدة، حيث تمنح واشنطن الحق في الوصول إلى المعادن الحيوية ذات القيمة العالية الموجودة بوفرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية. تحتوي منطقة شرق الكونغو على كميات كبيرة من الذهب والقصدير والتنغستن والتنتالوم، وهي معادن ضرورية لتصنيع الأجهزة الإلكترونية الحديثة. بالإضافة إلى ذلك، تعد الكونغو أكبر منتج للكوبالت في العالم وثاني أكبر مصدر للنحاس – موارد حيوية للصناعات الأمريكية.
تهدف إدارة ترمب من خلال هذه الاتفاقيات إلى جذب الاستثمارات إلى المنطقة وتحفيز كلا الطرفين على الحفاظ على السلام والاستقرار. ومن المتوقع أن يتم توقيع اتفاقية ثنائية منفصلة بين الكونغو والولايات المتحدة لتعزيز التعاون في مشاريع الطاقة والتعدين والبنية التحتية المستقبلية.
مبادرة السلام والوضع الميداني: تغييرات محدودة على الأرض
بدأت جهود السلام هذه قبل عدة أشهر، مدفوعة بالتدخل السياسي الأمريكي الذي ساهم في وقف تقدم الجماعات المسلحة المدعومة من رواندا، والتي كانت تهدد الإطاحة بحكومة الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الجهود، فإن الوضع على الأرض لم يشهد تغييرات كبيرة.
لا تزال الجماعة المسلحة المعروفة باسم “إم 23” تسيطر على مساحات واسعة من شرق الكونغو الغني بالمعادن، بل وتقوم بالسيطرة على بلدات جديدة. ويثير هذا الواقع تساؤلات حول فعالية اتفاق السلام في تحقيق الاستقرار الحقيقي.
شكوك حول الاستقرار الدائم واتهامات متبادلة
عندما سُئل الرئيس ترمب عن موعد انتهاء القتال بشكل دائم وتحقيق السلام الحقيقي، عبّر عن ثقته في رؤية “نتائج فورية”. لكن هذا التفاؤل يتناقض مع الواقع المعقد للصراع، والاتهامات المتبادلة بين رواندا والكونغو.
لقد ادعى الرئيس ترمب في السابق أن حل الصراع بين رواندا والكونغو يعتبر من بين إنجازاته التي قد تؤهله لنيل “جائزة نوبل للسلام”. لكن المنتقدين يشيرون إلى أن بعض هذه الاتفاقات لم تسفر عن تغييرات ملموسة، وأنها تتعامل مع نزاعات لا ترقى إلى مستوى الحروب الحقيقية.
وفي تطور يهدد الاتفاق الجديد، اشتكت جمهورية الكونغو الديمقراطية يوم الأربعاء من استمرار تقدم “إم 23”. واتهم المتحدث باسم الحكومة الرواندية بأنها “لا تريد السلام”، بل تسعى فقط إلى الوصول إلى موارد الكونغو الطبيعية.
اتهامات دعم رواندا للمسلحين
تتعرض رواندا لاتهامات متكررة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بدعم جماعة “إم 23” من خلال توفير التدريب والأسلحة، وحتى إرسال جنود روانديين للقتال إلى جانبهم. في المقابل، تنفي رواندا هذه الاتهامات بشدة، وتتهم الكونغو بالتعاون مع جماعة “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا”، وهي جماعة مرتبطة بمرتكبي الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.
توقعات حذرة ومسؤولية مشتركة
أقر الرئيس الرواندي بول كاغامي بأنه في حال تعثر الاتفاق، فإن المسؤولية لن تقع على عاتق الرئيس ترمب، بل على كاهل الطرفين. وأضاف أن هناك “صعوداً وهبوطاً” متوقعاً في مسار السلام. ويرى جيسون ستيرنز، مؤسس “مجموعة أبحاث الكونغو” في جامعة نيويورك، أن المظالم العميقة والمتجذرة في المنطقة لا تزال بعيدة عن الحل باتفاق السلام الأخير.
على الرغم من أن مبادرات السلام الأمريكية قد ساهمت في احتواء الصراع مؤقتاً وجمع الأطراف المعنية على طاولة المفاوضات، إلا أنها لم تتمكن من معالجة الأسباب الجذرية للصراع أو تحقيق حل دائم. ويبقى مستقبل السلام في المنطقة رهنًا بالتزام جميع الأطراف بتنفيذ الاتفاقات الجديدة بحسن نية، ومعالجة القضايا الأمنية والاقتصادية والسياسية المعقدة التي تدفع الصراع المستمر.
الآن، يعول الكثيرون على الجانبين لتحويل هذا الاتفاق إلى واقع ملموس، وليس مجرد وعد بالسلام. هل ستنجح هذه الجهود في تحقيق الاستقرار في منطقة غنية بالموارد، لكنها تعاني من سنوات طويلة من الصراع؟ سؤال يظل معلقاً في انتظار الأيام القادمة.












