الصين تنتظر بيانات اقتصادية باهتة وسط ضعف الطلب المحلي

يُتوقع أن تُظهر البيانات الاقتصادية الأساسية لشهر نوفمبر أن الطلب المحلي في الصين ظلّ ضعيفاً -أو ربما تراجع أكثر- مما يبدّد أثر الأداء القوي للصادرات. هذه البيانات، التي من المقرر أن يصدرها مكتب الإحصاء الوطني يوم الاثنين، ستكون حاسمة في تقييم مسار التعافي الاقتصادي للصين، وتحديداً قدرتها على الاعتماد على محركاتها الداخلية للنمو بدلاً من الاعتماد المفرط على الأسواق الخارجية.
تراجع ملحوظ في مبيعات التجزئة والاستثمار
تشير التوقعات إلى أن مبيعات التجزئة سترتفع بنسبة 2.9% في نوفمبر على أساس سنوي، وهو ما يمثل أضعف وتيرة نمو منذ أغسطس 2024. هذا الارتفاع المتواضع يعكس ضعف الإنفاق الاستهلاكي، وهو أمر مقلق بالنظر إلى أهمية المستهلك الصيني في دفع النمو الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يشهد الاستثمار في الأصول الثابتة، مثل المصانع والعقارات الجديدة والآلات، انخفاضاً بنسبة 2.3% خلال الفترة من يناير إلى نوفمبر على أساس سنوي. هذا الانخفاض يمثل تراجعاً غير مسبوق خارج فترة أزمة كورونا، وفقاً لبيانات تعود إلى عام 1998.
ركود قطاع العقارات يثقل كاهل الاستثمار
يعزى جزء كبير من هذا التراجع في الاستثمار إلى استمرار الركود العميق في قطاع العقارات الصيني. قطاع العقارات، الذي كان في السابق محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي، يواجه تحديات كبيرة، مما يؤثر سلباً على الاستثمار بشكل عام. هذا الوضع يتطلب تدخلات حكومية فعالة لإعادة الثقة في السوق وتحفيز الاستثمار.
الإنتاج الصناعي والصادرات.. هل يكفيان؟
على الرغم من التحديات، يُظهر الإنتاج الصناعي بعض المرونة، حيث من المتوقع أن يرتفع بنسبة 5% في نوفمبر مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. ومع ذلك، فإن هذه الزيادة طفيفة مقارنة بنسبة 4.9% في أكتوبر، على الرغم من تعافي نمو الصادرات خلال الشهر الماضي. هذا يشير إلى أن الأداء القوي للصادرات لا يزال غير كافٍ لتعويض ضعف الطلب المحلي في الصين.
تقييم الخبراء وتوقعات المستقبل
يشير خبراء اقتصاديون لدى “سيتي غروب” إلى أن “معظم مؤشرات النشاط ربما ظلت باهتة الأداء”. ويضيفون أن السلطات بدأت في ضخّ حزم حوافز، لكن تأثيرها لا يزال “في مرحلة مبكرة جداً” خصوصاً على أجزاء الاقتصاد المرتبطة بقطاع البناء. صدور بيانات ضعيفة سيُبرز مخاطر الاعتماد على الطلب الخارجي، خاصة مع توقع تباطؤ الصادرات العام المقبل في ظل تصاعد التوترات التجارية.
أولوية تعزيز الطلب المحلي
خلال اجتماعات اقتصادية مهمة عُقدت هذا الأسبوع، حدّد كبار القادة في الصين تعزيز الطلب المحلي أولوية قصوى للعام الجديد. هذا التأكيد يعكس إدراكاً متزايداً للمخاطر والشكوك في التجارة الخارجية، ورغبة في بناء اقتصاد أكثر استدامة يعتمد على محركاته الداخلية. ومع ذلك، لا يبدو أن أي إجراءات قوية مرتقبة حتى الآن.
تأثير تغيير توقيت “يوم العزاب” على المبيعات
يُرجّح أن يكون التباطؤ المتوقع في نمو الاستهلاك خلال نوفمبر ناتجاً عن ضعف مبيعات السيارات، بالإضافة إلى بدء مبكر عن المعتاد لفعالية “يوم العزاب”. يشير اقتصاديون في بنك “غولدمان ساكس” إلى أن هذا التغيير في توقيت عروض التسوق الإلكتروني أدى إلى انتقال جزء من الطلب إلى شهر أكتوبر. السيارات تمثل نحو 9% من إجمالي مبيعات التجزئة في الصين، مما يجعلها فئة رئيسية في السوق.
تراجع مبيعات السيارات يثير القلق
تُظهر بيانات سابقة من رابطة سيارات الركاب الصينية أن مبيعات السيارات بالتجزئة انخفضت بنحو 8% الشهر الماضي، وهو تراجع نادر في فترة تُعد عادةً من أكثر شهور العام نشاطاً. تسارع الانخفاض في الأسبوع الأول من ديسمبر، حيث هبطت المبيعات بنسبة 32% مقارنة بالعام الماضي. هذا التراجع قد يكون مؤشراً على انحسار برنامج حكومي كان يهدف إلى تشجيع المستهلكين على شراء السلع، مثل السيارات، عبر الدعم المالي.
تحديات إضافية تواجه الاقتصاد الصيني
بالإضافة إلى ضعف الطلب المحلي، تواجه الصين تحديات أخرى، مثل “التنافس المُرهِق” داخل القطاعات الاقتصادية، وحملة الحكومة للحدّ من فائض الطاقة الإنتاجية والمنافسة المدمرة. هذه العوامل، بالإضافة إلى التراجع في قطاع العقارات، تساهم في إبطاء النمو الاقتصادي.
في الختام، تشير التوقعات إلى أن البيانات الاقتصادية لشهر نوفمبر ستكشف عن استمرار ضعف الطلب المحلي في الصين، مما يضع ضغوطاً إضافية على الحكومة لاتخاذ إجراءات لتحفيز النمو الاقتصادي. من الضروري مراقبة هذه البيانات عن كثب لتقييم مسار التعافي الاقتصادي للصين وتحديد مدى نجاحها في تحقيق أهدافها للعام الجديد.












