الاتحاد الأوروبي: الصين تبدأ منح تراخيص عامة للمعادن النادرة

أعلنت المفوضية الأوروبية عن تطور إيجابي في ملف الحصول على المعادن النادرة من الصين، حيث بدأت بكين في منح تراخيص بشروط زمنية أطول للشركات الأوروبية. يهدف هذا الإجراء إلى تسهيل وصول الشركات إلى هذه المعادن الحيوية، والتي تعتبر ضرورية لقطاعات استراتيجية مثل التكنولوجيا النظيفة، وصناعة السيارات، وحتى الشركات المتعاقدة في مجال الدفاع. هذا التطور يأتي في وقت تشهد فيه سلاسل الإمداد العالمية اضطرابات، وتسعى فيه أوروبا لتعزيز استقلاليتها في الحصول على المواد الخام الأساسية. الحديث عن المعادن النادرة يكتسب أهمية متزايدة في ظل التوترات التجارية العالمية.
تراخيص المعادن النادرة: انفراجة في الأفق؟
صرح مفوض التجارة في المفوضية الأوروبية، ماروش شيفتشوفيتش، بأن التقارير الأولية من القطاع الصناعي تشير إلى أن الشركات بدأت بالفعل في الحصول على هذه التراخيص العامة. ومع ذلك، أكد شيفتشوفيتش على الحاجة إلى جمع معلومات أكثر تفصيلاً لتقييم فعالية هذه العملية بشكل كامل. كانت بروكسل قد أعربت عن قلقها بشأن القيود السابقة، حيث كانت التراخيص قصيرة الأجل (عام واحد) تخلق اختناقات في عملية التقديم، مما يهدد بشلّ بعض الصناعات الحيوية، خاصة صناعة السيارات الألمانية.
تخفيف البيروقراطية الصينية
أشار شيفتشوفيتش إلى أن الجانب الصيني أظهر تقبلاً لحجج المفوضية الأوروبية بشأن البيروقراطية المفرطة في النظام السابق الذي أُنشئ في أبريل. النظام القديم كان يتطلب من الشركات تقديم تفاصيل دقيقة للغاية، بما في ذلك صورًا ومعلومات تفصيلية عن سلاسل الإمداد الخاصة بها، وهي معلومات لم تكن الجهات التنظيمية الوطنية تطلبها في كثير من الأحيان. هذا التغيير في السياسة الصينية يمثل خطوة مهمة نحو تحسين العلاقات التجارية وتسهيل تدفق المواد الاستراتيجية إلى أوروبا.
جهود المفوضية الأوروبية وارتفاع وتيرة الموافقات
كثفت المفوضية الأوروبية جهودها خلال الأسابيع الأخيرة للحصول على هذه التراخيص العامة، إدراكًا منها لأهمية ضمان إمدادات مستقرة من المعادن الأرضية النادرة. تسمح هذه التراخيص بشحنات متكررة من المعادن إلى مشترين تمت الموافقة عليهم مسبقًا، مما يقلل من التأخير والتكاليف المرتبطة بالحصول على تراخيص فردية لكل شحنة. وقد أظهرت البيانات أن بكين وافقت على حوالي 70% من طلبات التراخيص منذ أبريل، وهو ما يمثل زيادة ملحوظة مقارنة بتقدير سابق كان يبلغ 50%.
الخلفية: القيود الصينية وتأثيرها العالمي
أثارت بكين قلقًا واسع النطاق في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من المناطق بعد إعلانها عن نظام تراخيص تصدير للإشراف على شحن بعض المعادن الحيوية، بما في ذلك المواد المستخدمة في العناصر الأرضية النادرة. تسيطر الصين بشكل شبه كامل على إنتاج هذه المعادن، مما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في تحديد الأسعار والإمدادات العالمية. على الرغم من التوصل إلى هدنة تجارية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ في نوفمبر، إلا أن نظام التراخيص الصيني ظل ساريًا.
أهمية المعادن النادرة للصناعات المستقبلية
أكد تقرير صادر عن الجامعة الوطنية في سنغافورة أن هيمنة بكين على بعض العناصر الأرضية النادرة الثقيلة “شبه مطلقة”. وأشار التقرير إلى أن هذه العناصر تشكل مدخلات حيوية لـ”صناعات المستقبل” مثل الروبوتات، والأتمتة، والدفاع المتقدم، والمركبات الكهربائية، وتقنيات الطاقة الخضراء. لذلك، فإن ضمان الوصول إلى الموارد الاستراتيجية هذه أمر بالغ الأهمية للقدرة التنافسية والابتكار في أوروبا.
خلافات تجارية أخرى بين الاتحاد الأوروبي والصين
لا تقتصر الخلافات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والصين على المعادن النادرة فحسب. نشبت خلافات أيضًا بشأن تصدير أشباه الموصلات، بعد استحواذ شركة هولندية على شركة “نيكسبيريا” المملوكة للصين. بالإضافة إلى ذلك، لم تحقق المفوضية الأوروبية أي تقدم ملموس في تقليص العجز التجاري الكبير مع الصين، والذي يبلغ حوالي 300 مليار يورو سنويًا.
قال شيفتشوفيتش: “سنقاتل بكل ما أوتينا من قوة من أجل الوظائف والشركات الأوروبية، واستمرار عجز بقيمة 300 مليار يورو (353 مليار دولار) بشكل دائم أمر غير قابل للاستدامة”. وأضاف أن المفوضية تبحث عن سبل لمعالجة هذا العجز، وقد أنشأت فريق عمل لمراقبة الواردات يتابع تدفقات السلع كل أسبوعين، مما يشكل الأساس لخطواتها التالية.
إجراءات جديدة من الاتحاد الأوروبي
في الأسبوع الماضي، أقر الاتحاد الأوروبي فرض رسم بقيمة 3 يورو على الطرود الصغيرة اعتبارًا من منتصف عام 2026، وذلك في ظل الطفرة الكبيرة في التجارة الإلكترونية، والتي تأتي معظمها من الصين، مما يضع شركات التجزئة الأوروبية تحت ضغوط شديدة. كما تعمل المفوضية على إعداد إجراءات لتقييد الاستثمار الأجنبي المباشر في بعض القطاعات الاستراتيجية التي لا تفي بشروط معينة، بما في ذلك خلق قيمة محلية ونقل التكنولوجيا، مع التركيز بشكل خاص على الاستثمارات الصينية.
في الختام، يمثل التطور الأخير بشأن تراخيص المعادن النادرة خطوة إيجابية نحو تخفيف التوترات التجارية وضمان إمدادات مستقرة من المواد الخام الحيوية للصناعات الأوروبية. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة قائمة، بما في ذلك العجز التجاري الكبير والخلافات بشأن الاستثمار الأجنبي المباشر. ستواصل المفوضية الأوروبية العمل بجد لحماية مصالح الشركات الأوروبية وتعزيز استقلاليتها في الحصول على المواد الاستراتيجية اللازمة لنموها المستقبلي.












