أسعار النفط تتراجع للأسبوع الثاني وسط مخاوف بشأن فائض المعروض

شهدت أسواق النفط أسبوعًا آخر من التقلبات، مع استمرار الضغوط الهبوطية التي تغلب على المخاوف الجيوسياسية. فقد تراجعت أسعار النفط بشكل ملحوظ للأسبوع الثاني على التوالي، مدفوعة بمخاوف متزايدة بشأن زيادة المعروض في السوق العالمية. على الرغم من بعض الارتفاع الطفيف في نهاية الأسبوع، إلا أن الأسعار لا تزال عند أدنى مستوى لها منذ ما يقارب خمس سنوات، مما يعكس حالة من التشاؤم تسيطر على المستثمرين. هذا المقال سيتناول بالتفصيل أسباب هذا الانخفاض، والأحداث التي أثرت في السوق، والتوقعات المستقبلية لأسعار النفط.
تراجع أسعار النفط: غلبة المعروض على المخاطر الجيوسياسية
بالرغم من التصعيد الأخير في البحر الأبيض المتوسط، حيث استهدفت أوكرانيا ناقلة نفط تابعة للأسطول الروسي الظل، إلا أن هذا الحادث لم يكن كافيًا لدعم أسعار النفط بشكل مستدام. فقد ساهم هذا الهجوم في زيادة التوترات الجيوسياسية في المنطقة، ولكنه لم يغير الصورة الكبيرة التي يرسمها المحللون، وهي صورة فائض محتمل في المعروض في الأشهر القادمة. يشير هذا إلى أن السوق قد تكون بالفعل قد استوعبت المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بإمدادات النفط الروسية.
هجوم أوكرانيا على ناقلة النفط الروسية
تعتبر هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها أوكرانيا ناقلة نفط روسية في البحر الأبيض المتوسط بشكل مباشر. يأتي هذا في سياق سلسلة من الهجمات على السفن التي تدعم صادرات النفط الروسية. على الرغم من أن هذه الهجمات تشكل تهديدًا محتملًا لإمدادات النفط، إلا أن تأثيرها الفعلي على السوق العالمية يبدو محدودًا حتى الآن. و يرى الخبراء أن السوق تتوقع حدوث تعويضات في الإمدادات من مصادر أخرى في حالة استمرار هذه الهجمات.
توقعات شركات التجارة الكبرى بفائض المعروض
تتفق معظم شركات التجارة الكبرى في العالم على أن السوق ستشهد فائضًا في المعروض من النفط في بداية العام المقبل. ترافيغورا (Trafigura)، إحدى أكبر شركات تجارة السلع في العالم، تتوقع أن يتداول خام برنت في نطاق الخمسينات من الدولارات حتى منتصف عام 2026، قبل أن يشهد تعافيًا في الأسعار لاحقًا. هذا التوقع يعكس اعتقادًا بأن الإنتاج العالمي من النفط سيتجاوز الطلب العالمي، مما سيؤدي إلى تراكم المخزونات وبالتالي انخفاض أسعار النفط.
تحركات السوق المسبقة
تعكس الأسواق بالفعل هذا السيناريو المتوقع، حيث ارتفعت المراكز البيعية إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق هذا الأسبوع، بينما انخفضت المراكز الشرائية. يشير هذا إلى أن المستثمرين يتوقعون انخفاضًا في الأسعار ويقومون ببيع العقود الآجلة للنفط لتحقيق أرباح من هذا الانخفاض. كما أنه يدل على أن السوق تتجه نحو الاستعداد لفترة من انخفاض أسعار الطاقة.
العوامل المؤثرة في انخفاض أسعار النفط
تراجعت أسعار النفط بنحو خمس قيمتها هذا العام، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى عودة “أوبك+” لزيادة إنتاجها بوتيرة أسرع من المتوقع، بالإضافة إلى زيادة الإنتاج في مناطق أخرى حول العالم. في الوقت نفسه، ظل الطلب العالمي على النفط ضعيفًا، مما زاد من حدة الضغوط الهبوطية على الأسعار.
على الرغم من أن المخاطر الجيوسياسية، وخاصة تلك المتعلقة بإمدادات النفط من روسيا وفنزويلا، ساهمت في الحد من بعض الانخفاضات، إلا أن التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب في أوكرانيا قد يؤدي إلى مزيد من الانخفاض في الأسعار. ذلك لأن اتفاق السلام سيقلل من المخاطر المرتبطة باضطرابات الإمدادات، مما سيؤدي إلى زيادة المعروض وتخفيض سعر برميل النفط.
يؤكد هاريس خورشيد، الرئيس التنفيذي للاستثمار لدى “كاروبار كابيتال” (Karobaar Capital) في شيكاغو، أن “المعنويات السائدة حاليًا تتلخص في مخاوف حدوث فائض هيكلي”. ويضيف: “مخاوف التخمة هذه تطغى على التوترات الجيوسياسية من روسيا إلى فنزويلا”. هذا يشير إلى أن السوق تعطي الأولوية للعوامل الأساسية المتعلقة بالعرض والطلب على المخاطر السياسية قصيرة الأجل.
حركة ضعيفة في الأسواق والتقلبات المتوقعة
مع اقتراب عطلة عيد الميلاد ورأس السنة، تشهد أحجام التداول في أسواق النفط ضعفًا ملحوظًا، مما قد يؤدي إلى تقلبات سعرية أكبر. كما أن التمركز الاستراتيجي استعدادًا للانخفاض ربما ساهم في الدفع بأسعار النفط للصعود الطفيف الذي شهدناه يوم الجمعة، حيث قام المتداولون بتغطية مراكزهم البيعية. هذا النوع من التغطية يمكن أن يؤدي إلى تقلبات حادة في الأسعار على المدى القصير. من المرجح أن تستمر هذه التقلبات في المستقبل القريب مع استمرار حالة عدم اليقين بشأن التوقعات المستقبلية لسوق النفط.
باختصار، انخفاض أسعار النفط الحالي هو نتيجة لمزيج من العوامل، أهمها توقعات فائض المعروض وزيادة الإنتاج العالمي. على الرغم من وجود بعض المخاطر الجيوسياسية التي قد تدعم الأسعار، إلا أن السوق تتوقع أن هذه المخاطر لن تكون كافية لمواجهة الضغوط الهبوطية. لمتابعة تطورات أسعار النفط العالمية والتحليلات المتعمقة، ندعوكم إلى زيارة موقعنا بانتظام.












