انطلقت في العاصمة التونسية فعاليات الدورة السادسة والعشرين من أيام قرطاج المسرحية، لتجدد بذلك الوعد بعودة الحياة النابضة إلى المسارح التونسية، وتأكيد مكانة تونس كمركز إشعاع ثقافي في المنطقة. المهرجان الذي انطلق في دار الأوبرا بمدينة الثقافة تحت شعار “المسرح نبض الشارع” يشهد مشاركة واسعة من مختلف الدول العربية والأفريقية، ويقدم برنامجاً غنياً يمتد حتى 29 نوفمبر، ما يجعله حدثاً ثقافياً هاماً ينتظره عشاق المسرح بفارغ الصبر.
افتتاحية مبهرة وحضور جماهيري غير مسبوق في أيام قرطاج المسرحية
شهدت ليلة الافتتاح إقبالاً جماهيرياً تاريخياً، حيث أعلن القائمون على المهرجان عن نفاد تذاكر العروض قبل يومين من انطلاقته. وهذا يعكس مدى تعطش الجمهور التونسي للأنشطة الثقافية والفنية، وتأكيداً على أهمية المهرجان في المشهد الثقافي المحلي. وقد اختتمت دار الأوبرا بمدينة الثقافة ليلتها بتقديم عرض المسرحية المصرية الشهيرة “الملك لير”، من بطولة الفنان القدير يحيى الفخراني، وإخراج المخرج المتميز شادي سرور. العرض نال استحساناً كبيراً من الحضور.
تكريم النجوم وتألق الوجوه العربية والأفريقية
لم يقتصر حفل الافتتاح على العروض المسرحية، بل تضمن أيضاً فقرة تكريمية لأبرز الشخصيات التي ساهمت في إثراء المسرح التونسي والعربي والأفريقي. وقد كُرّم من تونس كل من: ليلى الرزقي، فتحي العكاري، علي الخميري، لزهاري السبيعي، سليم السنهاجي، وهادي بومعيزة، تقديراً لمسيرتهم الفنية وإسهاماتهم القيمة في تطوير فن المسرح.
ضيوف الشرف وتفاعل الجمهور
إضافة إلى النجوم التونسيين، شمل التكريم أيضاً الفنانة المغربية لطيفة أحرار، والكاتب العُماني عماد محسن الشنفري، والمسرحي عبد الرحمن كاماتي. ولحظة خاصة ومميزة كانت تتويجاً لحفل الافتتاح، حيث حصل الفنان المصري يحيى الفخراني على تكريم خاص بعد أدائه المذهل في دور الملك لير، وتلقى تصفيقاً حاراً وطويلاً من الجمهور تقديراً لموهبته الفذة وإرثه المسرحي العريق. حضور العديد من الوزراء والسفراء العرب والمسؤولين الثقافيين يعكس الأهمية التي يكتسبها هذا الحدث على مستوى المنطقة.
برنامج متنوع وغني في أيام قرطاج المسرحية
تتميز الدورة السادسة والعشرون من أيام قرطاج المسرحية ببرنامج حافل ومتنوع يضم عروضاً مسرحية من مختلف الأنواع والمدارس الفنية. يشمل البرنامج 12 عرضاً في المسابقة الرسمية، تمثل دولاً تونس، الجزائر، المغرب، مصر، الأردن، العراق، لبنان، الإمارات، السنغال، ساحل العاج، والأراضي الفلسطينية.
بالإضافة إلى ذلك، يتضمن المهرجان 15 عرضاً ضمن قسم “مسرح العالم”، و16 عرضاً تونسياً، و6 عروض عربية وأفريقية أخرى. ولا يغفل المهرجان اهتماماً خاصاً بالطفل والناشئة، حيث يخصص 12 عرضاً للأجيال الصاعدة، بالإضافة إلى 6 عروض للهواة، و16 عرضاً ضمن قسم “مسرح الحرية”، وهو قسم مخصص للعروض المنتجة داخل السجون ومراكز الإصلاح، مما يعكس التزام المهرجان بالمسؤولية الاجتماعية.
وعلى هامش العروض المسرحية الرئيسية، قدم المخرج التونسي الفاضل الجعايبي مسرحيته “حُلم” في قاعة الريو بالتزامن مع عرض “الملك لير”، ما أتاح للجمهور خيارات متعددة للاستمتاع بفن المسرح.
“أصوات من العالم”: رسالة أيام قرطاج المسرحية
أكد المدير الفني للمهرجان، محمد منير العرقي، في كلمته الافتتاحية أن العروض المشاركة في أيام قرطاج المسرحية تمثل “أصواتاً من تونس والعالم العربي وأفريقيا والعالم، ناقلة تجارب ورؤى وأسئلة تتقاطع مع القضايا الإنسانية الراهنة”. ويعكس هذا التنوع في العروض حرص المهرجان على تقديم محتوى فني وثقافي يلامس اهتمامات وتطلعات الجمهور.
كما أشار العرقي إلى تنظيم منتدى مسرحي دولي من 24 إلى 26 نوفمبر تحت عنوان “الفنان المسرحي، زمنه وأعماله”، بالإضافة إلى ورش عمل تطبيقية وملتقى للبحوث المسرحية، بهدف دعم البحث العلمي وتشجيع الحوار البناء حول قضايا المسرح.
يحيى الفخراني يجدد العهد مع “الملك لير”
يعتبر تقديم الفنان يحيى الفخراني لمسرحية “الملك لير” تجربة استثنائية، حيث يجسد هذه الشخصية الدرامية للمرة الثالثة في مسيرته الفنية. هذه المرة، يقدم الفخراني العرض في العمر الحقيقي للشخصية كما وردت في النص الأصلي لشكسبير، بعد أن قدمها سابقاً في مرحلة الشباب. يشارك في بطولة العمل نخبة من الفنانين المصريين، بما في ذلك طارق دسوقي، حسن يوسف، أحمد عثمان، تامر الكاشف، أمل عبدالله، إيمان رجائي، لقاء علي، بسمة دويدار، طارق شرف، ومحمد العزايزي، تحت إخراج شادي سرور.
تتواصل فعاليات أيام قرطاج المسرحية حتى 29 نوفمبر، واعدةً جمهورها بتجربة فنية وثقافية لا تُنسى. المهرجان يمثل فرصة سانحة للتعرف على أحدث الإنتاجات المسرحية في المنطقة، والاستمتاع بعروض متميزة، والمشاركة في فعاليات ثقافية متنوعة، ما يعزز مكانته كأحد أبرز التظاهرات المسرحية في العالم العربي وأفريقيا. ندعوكم لمتابعة فعاليات المهرجان والتفاعل معها.
