مقالات

مأساة فضل شاكر.. الإنسان والسياسي والطائفي

“أعطِ الرجل قناعاً، وسوف يخبرك بالحقيقة!” مقولة شهيرة تتردد بقوة في مسلسل “يا غايب” الذي يتناول قصة الفنان اللبناني فضل شاكر، والمتورط حالياً في قضايا قانونية معلقة في لبنان بعد سنوات قضاها في الاختفاء والتهرب من المثول أمام القضاء. المسلسل، الذي يندرج تحت تصنيف دراما وثائقية روائية ويتألف من تسع حلقات على منصة شاهد، يقدم لمحة عن دفاع شاكر عن نفسه، مؤكداً براءته من التهم الموجهة إليه، والتي تشمل الانتماء إلى جماعات إرهابية والتحريض على العنف.

لعبة الأقنعة في “يا غايب”

يتكرر هذا الاقتباس بشكل ملحوظ خلال حوارات شاكر مع صحفية مفترضة تجسدها الممثلة الشابة ستيفاني عطا الله. هذا البناء الدرامي يمزج بين التمثيل والتوثيق، حيث ينتقل المسلسل بسلاسة بين سرد شاكر لقصته منذ طفولته المبكرة وصولاً إلى بداية عام 2025، وبين إعادة تمثيل هذه الأحداث بشخصيات متعددة، بما في ذلك شاكر نفسه الذي يؤديه الممثل عماد عزمي، وزوجته (سميرة الأسير)، وأبنائه. يثير هذا الأسلوب تساؤلات حول مدى التلاعب بالحقائق، واختيار الأقنعة المناسبة لتقديم رواية معينة.

حقيقة فضل شاكر: بين السياسة والإنسانية

قد يبدو هذا البناء المعقد مبتكراً في سياقات أخرى، ولكنه في حالة “يا غايب” يميل نحو إيهام المشاهد بصدق الرواية، وكأنه يشارك في لعبة فنية تهدف إلى إضفاء الشرعية على موقف شاكر. يرمي المسلسل إلى إبراز الجانب الإنساني في قصة شاكر، والتحذير من “تسييس” هذا الجانب، أو العكس، “إضفاء الطابع الإنساني” على قضية ذات أبعاد سياسية واضحة، وصولاً إلى إبراز جذور المشكلة في الصراعات الطائفية. يصر فضل شاكر على أن أفعاله لم تكن مدفوعة بأسباب سياسية، بل بالتعاطف الإنساني مع ضحايا النزاعات، خاصةً في سوريا.

نقطة التحول: مهرجان موازين في المغرب

يستعرض المسلسل بالتفصيل لحظة فارقة في حياة فضل شاكر، وهي تلك النداءات التي أطلقها خلال حفل غنائي في مهرجان موازين بالمغرب عام 2013، ودعوته الجمهور إلى ترديد “آمين” بعد الدعاء على الرئيس السوري بشار الأسد. يوضح شاكر أن هذا التصرف لم يكن محسوباً، بل كان ردة فعل عفوية على مشاهد المذابح التي كانت تصله من سوريا. يعتبر هذا الحدث بداية سلسلة من التداعيات التي أدت إلى مساره الحالي.

كرة البؤس المتدحرجة: من الشهرة إلى الخلاف

يبدو فضل شاكر صادقاً، إلى حد كبير، في شرح دوافعه وتأثير الظروف الصعبة التي عاشها في طفولته وشبابه. يعترف بضعف شخصيته اندفاعيته، وكراهيته للظلم، وكيف أن هذه العوامل ساهمت في انفعالاته وتصريحاته النارية. بالإضافة إلى ذلك، يعكس المسلسل عدم إدراكه لعواقب تصريحاته، وكيف أنها أدت إلى مسار مأساوي في حياته.

الانخراط في الصراعات والاتهامات

لم يتوقع شاكر حجم ردود الفعل على تصريحاته ،والذي أدى إلى إطلاق لحيته والانضمام إلى جماعة مسلحة والمشاركة في الأحداث التي شهدها جنوب لبنان. ويقسم شاكر على أنه لم يحمل السلاح أو يقدم على القتل، وأن محاكمته الحالية ستثبت براءته من هذه التهمة، وهي الأخطر بين التهم الموجهة إليه.

التناقضات في رواية فضل شاكر

يركز المسلسل على محاولات فضل شاكر لتبرير أفعاله، بدءاً من تصريحاته في موازين وصولاً إلى انخراطه في الجماعات المسلحة. ومع ذلك، تتسم روايته بالكثير من التناقضات. ففي حين يلوم الظروف والآخرين على ما حدث له، يغفل عن دوره الشخصي في إشعال الفتن وتأجيج الصراعات. يتحدث عن معاناته من الغيرة والحسد في الوسط الفني، ولكنه في الوقت نفسه يعترف بأن نجاحه وشهرته كانا بفضل موهبته التي منحها إياها الله.

“الفنان اليتيم” وصراع الهوية

يكشف المسلسل عن الجرح العميق الذي تركه في شاكر طفولته اليتيمة، حيث أمضى سنوات في دار للأيتام. هذا الجرح يفسر الكثير من سلوكياته، بما في ذلك شعوره الدائم بالنقص وعدم الاستحقاق. يبدو أن لقب “الفنان اليتيم” الذي أطلق عليه بعد نجاحه قد ساهم في تعزيز هذا الشعور.

تدمير الذات والبحث عن مبررات

يبدو فضل شاكر شخصاً بسيطاً لم يحظَ بالتعليم الكافي، وكان مقدراً له أن يعيش حياة الفقر والاضطراب. لكن النجاح والشهرة غيّراه، وجعلته يشعر بالغربة والانفصال عن واقعه. هذا الشعور دفعه إلى البحث عن مبررات لأفعاله، وإلقاء اللوم على الآخرين وعلى الظروف التي عاشها. يتبنى شاكر رواية ضحية الصراعات السياسية والطائفية، ولكنه يغفل عن مسؤوليته الشخصية في إشعال هذه الصراعات.

الخلاصة: قصة معقدة تتطلب التفكير النقدي

مسلسل “يا غايب” يقدم قصة فضل شاكر كعمل فني معقد ومتناقض، يعكس الصراعات الداخلية التي يعيشها الفنان والشخصية اللبنانية. لا يقدم المسلسل إجابات واضحة، بل يفتح الباب أمام التفكير النقدي والتساؤلات حول دوافع شاكر وأفعاله. يبقى السؤال المطروح هو: هل “أعطِ الرجل قناعاً، وسوف يخبرك بالحقيقة” هي قاعدة ثابتة، أم أنها مجرد تلاعب بالحقائق؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى