مقالات

كوثر بن هنية: “صوت هند رجب” أعاد إيماني بأهمية دور السينما

في مؤتمر صحفي افتراضي جمع صحفيين من أوروبا والصين والبرازيل وأستراليا، وحضره فريق “الشرق”، كشفت المخرجة التونسية كوثر بن هنية عن تفاصيل مؤثرة حول فيلمها الجديد “صوت هند رجب“، الذي يتناول اللحظات الأخيرة في حياة الطفلة الفلسطينية هند رجب. الفيلم أثار ضجة واسعة في المهرجانات السينمائية الدولية، وفاز بجائزة الأسد الفضي في مهرجان فينيسيا، ليصبح بعدها الترشيح الرسمي لتونس لجوائز الأوسكار، مما يعكس أهميته الفنية والإنسانية.

رحلة الفيلم وتجاوز التوقعات

أعربت بن هنية عن دهشتها من الاستقبال الحافل الذي لقيه الفيلم في مهرجان فينيسيا السينمائي، مؤكدة أن التفاعل العاطفي القوي من الجمهور كان مؤثراً للغاية. وقالت إن هذا التفاعل أثبت لها أن “صوت هند رجب” سيظل صداه يتردد في الأوساط السينمائية والثقافية. الفيلم حصد جوائز الجمهور في معظم المهرجانات التي عرض فيها، وهو ما يعكس، بحسب تعبيرها، عمق ارتباط المشاهدين بقصة هند وبمعاناتها، التي أصبحت رمزاً لآلاف الأطفال الذين فقدوا حياتهم في غزة.

ثقة الهلال الأحمر ووالدة هند

بدأت رحلة الفيلم بتسجيل صوتي مؤثر لنداء الاستغاثة الذي أطلقته هند رجب عبر الهاتف، والذي نشره الهلال الأحمر الفلسطيني. بعد التواصل مع المؤسسة، حصلت بن هنية على التسجيلات الكاملة للمكالمات بين الطفلة وفريق الإسعاف، واعتبرت ذلك “ثقة كبرى” من الهلال الأحمر، بالإضافة إلى ثقة أسرة هند. هذه الثقة وضعت المخرجة أمام مسؤولية أخلاقية كبيرة في تمثيل هذه الأحداث المأساوية بأمانة وصدق.

الأهم من ذلك، أكدت بن هنية أنها لم تبدأ العمل في الفيلم إلا بعد الحصول على موافقة والدة هند، التي كانت لا تزال تعيش صدمة الفقد. الأم وافقت على إنتاج الفيلم بدافع الخوف من أن تضيع ذكرى ابنتها “بين جثامين آلاف الأطفال” في غزة. ورغم حضورها عروض الفيلم وجلسات النقاش، إلا أنها لم تكن قادرة على مشاهدة الفيلم كاملاً أو سماع صوت ابنتها في التسجيلات، بينما شاهد إخوة هند الفيلم وناقشوا التفاصيل مع فريق العمل.

أسلوب الفيلم وتقنيات إخراجية مبتكرة

اختارت كوثر بن هنية دمج الشكلين الروائي والوثائقي لإيصال رسالة الفيلم بفعالية أكبر. وقالت إن هذا الاختيار جاء من اللحظة الأولى التي سمعت فيها صوت هند، حيث رغبت في نقل المشاهد مباشرة إلى تلك اللحظة الزمنية المؤلمة، “كما لو أن الطفلة ما تزال حية تطلب المساعدة”. لذلك، تميز الفيلم بأسلوب الوثائقي في الأداء والتلقائية، مع إضافة عناصر درامية تعيد تمثيل الأحداث بدقة متناهية.

الحفاظ على الصدق العاطفي

وكشفت بن هنية أنها اتفقت مع الممثلين على عدم تلقي توجيهات أدائية أو إعادة المشاهد، بل تركتهم يستمعون إلى صوت هند الحقيقي لأول مرة أثناء التصوير، بهدف الحصول على ردود أفعال طبيعية وغير مصطنعة. وأوضحت أن الهدف لم يكن “التمثيل” بقدر ما كان “الوجود الكامل داخل اللحظة”. كما اعتمدت على لقطات طويلة دون قطع، متجاهلة الأخطاء التقنية التي قد تحدث، لأنها كانت ترى أن “الممثلين يعيشون الألم لحظة بلحظة، ولم أستطع كسر هذا الصدق من أجل الكمال التقني”.

الإضاءة واللحظة الراهنة

استخدمت المخرجة أسلوب “الإضاءة المسبقة” بدلاً من تغيير الإضاءة لكل مشهد، للحفاظ على انسيابية الأداء. وأشارت إلى أن فريق العمل بأكمله كان يتوقف مراراً أثناء التصوير لبكاء جماعي أو لالتقاط الأنفاس، مؤكدة أن الاستماع المستمر لصوت هند الحقيقي جعل التجربة مرهقة ومؤلمة. هذا بالإضافة لاستخدام مشاهد حقيقية من أرشيف الهلال الأحمر، واستخدام الهواتف المحمولة لإظهار اللحظة التي حاول فيها المسعفون معرفة مصير زملائهم، وذلك لتذكير الجمهور بأن ما يشاهدونه ليس خيالاً، بل واقعاً مؤلماً.

ردود الأفعال السياسية وأهمية الفيلم

أشارت بن هنية إلى أنها لم تتلق أي رد رسمي من إسرائيل بشأن الفيلم، لكنها لفتت إلى أن ردّها الرسمي على القضية نفسها بقي على موقف “الإنكار الكامل” لوجود قواتها في موقع استشهاد الطفلة، وهو ما يتعارض مع تحقيقات مستقلة. ورأت أن السينما قد لا تغير السياسات بشكل مباشر، لكنها تستطيع أن تعيد للضحايا إنسانيتهم، خاصة بعد سنوات طويلة من تصوير الفلسطينيين كمجهولين.

وأضافت أن “صوت هند رجب” أعاد لها إيمانها بالمهنة نفسها، بعد أن شعرت بعبثية الفن أمام المأساة. وتقول: “كنت أسأل نفسي: ما معنى أن نصنع الأفلام؟ لكن هذا الفيلم أعاد لي الإيمان بأن السينما يمكن أن تكون أداة للتغيير والتأثير”. وأكدت أن الفيلم لا يهدف إلى تمثيل آلاف الأطفال الذين قتلوا في غزة من خلال قصة واحدة، بل إلى فتح الباب لتخيّل حجم الألم الأوسع.

خاتمة

اختتمت كوثر بن هنية المؤتمر بالتأكيد أن النجاح العالمي لفيلم “صوت هند رجب” ليس مجرد نجاح شخصي، بل هو شهادة لصوت الطفلة التي تحولت إلى رمز وصوت لكل ضحايا الحرب. ووصفت الفيلم بأنه “وثيقة حياة” لآخر ساعات عاشتها طفلة وسط الحرب، معربة عن قناعتها بأنه سيظل جزءاً من الذاكرة الجماعية. هذا الفيلم، الذي يهدف إلى إحياء الإنسانية في ظل المآسي، يدعو إلى التأمل والتعاطف، ويذكرنا بأهمية العدالة والإنصاف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى