مقالات

“زنقة مالقة”.. ذاكرة نابضة تعيد اكتشاف الحياة

ضمن عروض المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي في دورته السادسة والأربعين، تألق الفيلم المغربي الإسباني “زنقة مالقة” للمخرجة مريم توزاني، حاصداً إعجاب النقاد والجمهور على حد سواء. الفيلم، الذي يمثل قصة إنسانية مؤثرة، يضع في قلبه امرأة مسنة تكافح من أجل استقلاليتها وكرامتها، ويقدم نظرة فريدة على الحب والفقد والهوية في مدينة طنجة الساحرة. هذا العمل السينمائي يمثل إضافة قيمة للسينما العربية والمغربية، ويؤكد موهبة المخرجة مريم توزاني.

“زنقة مالقة”: قصة حب واستعادة للذات في قلب طنجة

الفيلم، الذي حصد جائزة الجمهور في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، وتم اختياره لتمثيل المغرب في جوائز الأوسكار، يروي قصة ماريا أنجيليس (كارمن مورا)، أرملة إسبانية تبلغ من العمر 79 عامًا، تعيش في شقتها بمدينة طنجة منذ عقود. حياة ماريا الهادئة تتعرض للتهديد عندما تضغط عليها ابنتها كلارا (مارتا إيتورا) على بيع الشقة لسداد ديونها. “زنقة مالقة” ليس مجرد فيلم عن بيع منزل، بل هو فيلم عن فقدان الجذور، والنضال من أجل الحفاظ على الذكريات، وإعادة اكتشاف الذات في مرحلة متأخرة من الحياة.

كارمن مورا: أسطورة السينما الإسبانية في دور لا يُنسى

تألقت الممثلة الإسبانية كارمن مورا في دور ماريا، مقدمة أداءً مذهلاً يجسد قوة المرأة المسنة وعزيمتها. مورا، التي تمتد مسيرتها الفنية لأكثر من ستة عقود، تعتبر من أبرز نجمات السينما الإسبانية، وقد شاركت في العديد من الأفلام الكلاسيكية والمعاصرة. هذا الدور يمثل تحديًا جديدًا في مسيرتها الفنية، وقد نجحت في تجسيد شخصية ماريا بكل تفاصيلها الدقيقة، مما أضفى على الفيلم عمقًا إضافيًا. تُعرف مورا بسجلها الحافل بالجوائز، بما في ذلك أربع جوائز جويا وجائزة سيزار، مما يؤكد مكانتها المرموقة في عالم السينما.

مريم توزاني: موهبة مغربية تتألق دوليًا

بعد نجاح فيلمها السابق “أزرق القفطان” الذي وصل إلى القائمة المختصرة للأوسكار، تقدم المخرجة المغربية مريم توزاني فيلمها الجديد “زنقة مالقة” كأول تجربة إخراجية لها باللغة الإسبانية. الفيلم مستوحى من حياة جدة المخرجة، وهي من الجالية الإسبانية الكبيرة في طنجة، ويعكس ارتباطها الوثيق بالمدينة وتراثها الثقافي. توزاني تنجح في تقديم قصة إنسانية عالمية من خلال منظور محلي، مما يجعل فيلمها جذابًا للجمهور من مختلف الثقافات. “زنقة مالقة” يمثل تأكيدًا لموهبة توزاني وقدرتها على تقديم أعمال سينمائية متميزة.

الفيلم كرحلة عاطفية: بين الفقد والأمل والحب الجديد

يتميز “زنقة مالقة” بأسلوبه السينمائي الأنيق والواقعي، وقدرته على تصوير المشاعر الإنسانية بكل صدق وعفوية. الفيلم يتناول موضوعات معقدة مثل الشيخوخة، والفقد، والعلاقات الأسرية، والهوية، بطريقة حساسة ومؤثرة. على عكس العديد من الأفلام التي تركز على الشباب، يضع الفيلم امرأة مسنة في قلب الحدث، ويمنحها الفرصة للتعبير عن رغباتها وطموحاتها، وإعادة اكتشاف ذاتها. الفيلم يرسل رسالة قوية حول أهمية احترام كرامة الإنسان، بغض النظر عن عمره أو وضعه الاجتماعي.

طنجة: مدينة الذكريات والتحولات

تلعب مدينة طنجة دورًا محوريًا في أحداث الفيلم، فهي ليست مجرد خلفية للأحداث، بل هي شخصية رئيسية بحد ذاتها. الفيلم يصور طنجة كمدينة متعددة الثقافات، حيث تتداخل الثقافة الإسبانية والعربية، وتنعكس على حياة الشخصيات. تتجول ماريا في شوارع طنجة، وتتذكر ذكرياتها مع زوجها وأصدقائها، وتتمسك بمدينتها كرمز لهويتها واستقلاليتها. المصورة فيرجيني سوردي تنجح في التقاط جمال طنجة وسحرها، مما يضفي على الفيلم جوًا خاصًا.

نهاية مفتوحة: دعوة للتأمل

يختار الفيلم نهاية مفتوحة، تترك للجمهور حرية تفسير مصير ماريا. هذه النهاية تعكس واقع الحياة، حيث لا توجد حلول سهلة أو نهايات سعيدة مضمونة. “زنقة مالقة” يدعو المشاهدين إلى التفكير في معنى الحياة، وأهمية التمسك بالذكريات، والنضال من أجل تحقيق الأحلام، بغض النظر عن الظروف. الفيلم يترك أثرًا عميقًا في نفوس المشاهدين، ويدعوهم إلى تقدير قيمة الحياة والاستمتاع بكل لحظة فيها.

في الختام، “زنقة مالقة” هو فيلم جميل ومؤثر، يجمع بين الفكاهة والحزن، ويقدم قصة حب غير تقليدية لامرأة مسنة. الفيلم يمثل إضافة قيمة للسينما المغربية والإسبانية، ويؤكد موهبة المخرجة مريم توزاني والممثلة كارمن مورا. ننصح بمشاهدة هذا الفيلم لكل من يبحث عن تجربة سينمائية ممتعة وملهمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى