مقالات

الفيلم السعودي “المجهولة”.. بين طموح النوع و تقريرية التنفيذ

بمقدمة واعدة، يدخل فيلم “المجهولة” للمخرجة السعودية هيفاء المنصور عالم الإثارة والغموض، مقدماً قصة جريمة قتل تضع المشاهدين في قلب تحقيق بوليسي مشوق. الفيلم، الذي حظي باهتمام كبير في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي، يركز على نوال، الموظفة التي تعمل في رقمنة الأرشيف الشرطي، والتي تجد نفسها مدفوعة لكشف ملابسات وفاة فتاة مجهولة، مستعينة بشغفها بالأفلام البوليسية.

“المجهولة” لهيفاء المنصور: انطلاقة في عالم الإثارة البوليسية

يثير فيلم “المجهولة” تساؤلات حول دور المرأة في المجتمع السعودي، وكيف يمكن للأفراد العاديين أن يتجاوزوا القيود الاجتماعية لتحقيق العدالة. تستكشف المخرجة هيفاء المنصور، من خلال هذا العمل، موضوعات مثل القيود البيروقراطية والذكورية، وكيف تؤثر هذه العوامل على مسار التحقيقات في الجرائم، خاصة تلك التي تتعلق بحياة النساء. الفيلم لا يقتصر على سرد قصة جريمة، بل يفتح نافذة على واقع اجتماعي معقد، حيث غالباً ما يتم إعطاء الأولوية للمظاهر الاجتماعية على حساب حياة الأفراد.

الأداء التمثيلي: بين الهدوء والتشويق

على الرغم من الطموح في تقديم عمل بوليسي مشوق، يواجه فيلم “المجهولة” تحدياً في مستوى الأداء التمثيلي. يتبنى الممثلون أسلوباً هادئاً ومتحكماً، لكن هذا الهدوء يبدو أحياناً مبالغاً فيه، مما يؤدي إلى خلق مسافة بين المشاهدين والشخصيات. الدراما البوليسية تتطلب نبرة داخلية قوية تعكس التوتر والصراع الداخلي الذي تعيشه الشخصيات، وهو ما لم يتحقق بشكل كامل في الفيلم. فالجمل القصيرة، بدلاً من أن تنقل التوتر، تبدو وكأنها فراغات لا تحمل الكثير من المعنى.

غياب التطور العاطفي للشخصيات

أحد أبرز الانتقادات الموجهة للأداء التمثيلي هو غياب التطور العاطفي للشخصيات. تبدو نوال، على سبيل المثال، شخصية ثابتة لا تتغير بشكل ملحوظ طوال مسار الفيلم. هذا الثبات يقلل من تأثير الأحداث على الشخصية، ويجعل المشاهدين يشعرون بأنهم يشاهدون قصة من الخارج، دون أن يتمكنوا من التعاطف مع الشخصيات أو فهم دوافعها بشكل كامل. هذا يضعف من قوة الصراع الداخلي الذي يفترض أن يكون محركاً أساسياً للفيلم.

سيناريو معلوماتي يفتقر إلى العمق

يعود جزء من هذه المشكلة إلى السيناريو الذي يعتمد على تقديم المعلومات بشكل مباشر، دون بناء تصاعد درامي قوي. على الرغم من أن الفيلم يحاول استكشاف الدوافع النفسية لنوال، مثل رغبتها في التعويض عن ابنتها، إلا أن هذه الدوافع لا تتبلور بشكل واضح على الشاشة. كما أن العلاقة بين ما تبحث عنه نوال وما تخشاه لم يتم نسجها بشكل ذكي، مما يفقد العمل لحظة التوتر الحقيقية بين تركيبة الشخصيات والموضوع. الفيلم يفتقر إلى الغموض القابل للتأويل الذي يسمح للمشاهدين بالتفكير والتفاعل مع القصة.

مقاربة النوع البوليسي في السياق السعودي

يحاول فيلم “المجهولة” تقديم تجربة بوليسية سعودية جديدة، مستوحاة من أفلام ومسلسلات عالمية ناجحة. الفيلم ينجح في تقديم بعض العناصر الأساسية لهذا النوع، مثل الاستقصاء والتوتر والطبقات المخفية. ومع ذلك، يفتقر الفيلم إلى العمق والتعقيد الذي يميز الأعمال البوليسية الرائدة. فالعوالم المحيطة بالشخصيات تبدو ضيقة ومحدودة، مما يقلل من تأثير القصة على المشاهدين. كما أن الفيلم لا يستكشف بشكل كافٍ القضايا الاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تكون جزءاً لا يتجزأ من الدراما البوليسية.

التحولات الدرامية: بين المفاجأة والمنطق

تعتبر التحولات الدرامية المفاجئة عنصراً أساسياً في أفلام الإثارة والغموض. في فيلم “المجهولة”، تأتي هذه التحولات في النهاية، لكنها تبدو غير منطقية وغير مبررة. فالفيلم لا يقدم تفسيراً كافياً لهذه التحولات، مما يجعلها تبدو وكأنها “إضافة متأخرة” تهدف إلى إثارة الدهشة دون بناء تصاعد درامي قوي. هذا يقلل من تأثير التحولات على المشاهدين، ويجعلهم يشعرون بأنهم تعرضوا للخداع.

في الختام، فيلم “المجهولة” هو محاولة واعدة من المخرجة هيفاء المنصور لدخول عالم الإثارة البوليسية. الفيلم يطرح قضايا اجتماعية مهمة، لكنه يواجه تحديات في مستوى الأداء التمثيلي وعمق السيناريو. على الرغم من هذه التحديات، يمكن اعتبار الفيلم بمثابة نقطة انطلاق لمزيد من التجارب في هذا المجال، ويدعو إلى نقاش حول الأدوات التي يحتاجها هذا النوع من الأفلام ليحقق النجاح والعمق المطلوبين. الفيلم يمثل إضافة إلى السينما السعودية، ويفتح الباب أمام المزيد من الأعمال التي تستكشف هذا النوع من القصص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى