مقالات

السعودية تطلق مشروع توثيق المقامات والإيقاعات الموسيقية

انعقد مؤخرًا في العاصمة السعودية الرياض حدث تاريخي يهدف إلى إحياء وتوثيق التراث الموسيقي العربي، وذلك من خلال مؤتمر الموسيقى العربية الذي شهد إطلاق مجموعة من المبادرات العلمية الطموحة. يمثل هذا المؤتمر خطوة هامة نحو الحفاظ على هذا الإرث الثقافي الغني للأجيال القادمة، ووضع أسس متينة للبحث والتطوير في مجال الموسيقى العربية. وتأتي هذه الجهود في سياق رؤية المملكة العربية السعودية لدعم وتعزيز الفنون والثقافة، وتأكيد مكانة العالم العربي في المشهد الموسيقي العالمي.

إطلاق مبادرات لتوثيق التراث الموسيقي العربي

أعلن المؤتمر عن حزمة من المبادرات العلمية التي تركز على توثيق التراث الموسيقي العربي بشكل شامل ومنهجي. وتشمل هذه المبادرات جمع وتسجيل المقامات والإيقاعات الموسيقية التقليدية من مختلف أنحاء العالم العربي، بالإضافة إلى تدوين وتحليل هذه المعزوفات لإنشاء قاعدة بيانات موثوقة للباحثين والمهتمين. كما يهدف المشروع إلى بناء منظومات رقمية تعليمية وبحثية متخصصة، لتوفير مصادر معرفية شاملة حول الموسيقى العربية.

رؤية المستشار تركي آل الشيخ

دعا المستشار تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه (GEA) ورئيس المؤتمر، إلى إتمام عمليات توثيق المقامات الشرقية الصوتية خلال العامين المقبلين. وأعرب عن أمله في أن يمتد هذا التوثيق ليشمل المقامات الشرقية في إيران، مما يعزز شمولية العمل وثرائه. تأتي هذه الدعوة انطلاقًا من إيمان راسخ بأهمية التعاون الإقليمي في الحفاظ على التراث الموسيقي العربي المشترك.

منهجية بحثية متكاملة لجمع التراث

يعتمد المشروع على منهجية بحثية دقيقة ومتكاملة، تشمل عدة مراحل أساسية. تبدأ هذه المنهجية بالتسجيل الميداني للمعزوفات والمقامات والإيقاعات من مصادرها الأصلية، ثم يتم تدوينها وتحليلها علميًا. بالإضافة إلى ذلك، يتم إجراء مسح ميداني شامل لجمع المعلومات حول الممارسات الموسيقية التقليدية في مختلف المناطق العربية. تهدف هذه المنهجية إلى إنشاء قاعدة بيانات موثوقة وشاملة، يمكن للباحثين والدارسين الاعتماد عليها في أبحاثهم ودراساتهم.

توصيات المؤتمر: نحو مستقبل واعد للموسيقى العربية

خلص المؤتمر إلى عدد من التوصيات الهامة التي تهدف إلى تطوير وتعزيز الموسيقى العربية. من بين هذه التوصيات اعتماد منظومات رقمية حديثة، تشمل مكتبات إلكترونية مفتوحة للمحتوى الموسيقي، ومنصات تعليمية تفاعلية، وتطبيقات للهاتف المحمول، وأرشيف موسيقي يجمع التسجيلات التاريخية. تهدف هذه المنظومات إلى تسهيل الوصول إلى التراث الموسيقي العربي، وتشجيع البحث والابتكار في هذا المجال.

أول أكاديمية عربية متخصصة

أوصى المؤتمر بإنشاء أول أكاديمية عربية عليا متخصصة في العلوم والفنون الموسيقية. ستعمل هذه الأكاديمية على تطوير المناهج الأكاديمية الخاصة بالمقامات والإيقاعات، ودعم الباحثين الشباب، وربط الدراسات العربية بالمعايير العلمية الحديثة، مع الحفاظ على الخصوصية التراثية. تعتبر هذه الأكاديمية خطوة حاسمة نحو بناء جيل جديد من الموسيقيين والباحثين القادرين على حمل لواء التراث الموسيقي العربي.

إدراج التراث في التعليم الموسيقي

شدد المؤتمر على أهمية إدراج التراث الموسيقي العربي في برامج التعليم الموسيقي بالمدارس والمعاهد. يهدف هذا الإجراء إلى تعزيز وعي الأجيال الجديدة بالأشكال الموسيقية التقليدية، وتشجيعهم على تقديرها والحفاظ عليها. كما يساهم في تنمية المواهب الموسيقية الشابة، وإعدادهم ليكونوا قادة المستقبل في مجال الموسيقى العربية. بالإضافة إلى ذلك، تم التأكيد على أهمية الموسيقى التقليدية في تعزيز الهوية الثقافية.

حصيلة أولية من المملكة العربية السعودية

أعلنت اللجنة السعودية المشاركة في المؤتمر عن تسجيل 14 مقامًا محليًا من مختلف مناطق المملكة، و160 إيقاعًا تم جمعها ميدانيًا من مؤدين محليين. تعكس هذه الحصيلة بدء تنفيذ خطة طموحة لجمع وتوثيق التراث الموسيقي السعودي، والذي يعتبر جزءًا لا يتجزأ من التراث الموسيقي العربي الأوسع. تؤكد هذه الجهود على التزام المملكة بالحفاظ على هويتها الثقافية وتعزيزها.

تنسيق عربي لتوحيد المرجعيات

جمع المؤتمر لجاناً وخبراء من جميع الدول العربية دون استثناء، بالإضافة إلى باحثين من تركيا، في أول تجمع من نوعه يهدف إلى تأسيس مرجع موسيقي عربي مبني على منهجية موحدة. أكد القيّمون على المؤتمر أن نجاح المشروع يتطلب تنسيقًا وثيقًا بين المؤسسات الثقافية العربية، لضمان توحيد التصنيف العلمي للمقامات والإيقاعات. هذا التنسيق ضروري لتجنب الازدواجية والارتباك، ولضمان أن يكون المرجع الموسيقي العربي شاملاً ودقيقًا.

في الختام، يمثل مؤتمر الموسيقى العربية في الرياض نقطة تحول هامة في جهود الحفاظ على التراث الموسيقي العربي. من خلال المبادرات العلمية الطموحة والتوصيات الهامة، يضع المؤتمر أسسًا متينة لمستقبل واعد للموسيقى العربية، ويؤكد على أهمية التعاون الإقليمي في الحفاظ على هذا الإرث الثقافي الغني. ندعو جميع المهتمين بالموسيقى العربية إلى متابعة تطورات هذا المشروع، والمشاركة في جهود إحيائه وتطويره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى