مقالات

أنتوني هوبكنز في “البحر الأحمر “: التمثيل موسيقى.. والصمت هو النغمة الأقوى

في واحدة من أكثر اللحظات تأثيراً وجاذبية في الدورة الخامسة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، استطاع أسطورة التمثيل، أنتوني هوبكنز، أن يخطف الأضواء، متجاوزاً ضيوفاً أصغر سناً وأكثر حضوراً في المهرجانات العالمية. اعتلى هوبكنز خشبة مسرح “الحي الثقافي” في جدة، ليقدم جلسة حوارية (In Conversation) امتدت لأكثر من ساعة، تاركاً انطباعاً لا يُمحى في نفوس الحاضرين.

أنتوني هوبكنز يشعل مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي

كان الحضور لافتاً في القاعة التي تتسع لـ868 مقعداً، حيث امتلأت عن آخرها. وجد الجمهور نفسه أمام ذاكرة حية للسينما، ورجل نادر جمع بين التواضع والعمق الفني والحضور الطاغي. لم تكن هذه مجرد مقابلة مع نجم، بل رحلة استكشافية في عالم الإبداع والتمثيل، قدمها هوبكنز بأسلوبه المميز الذي يمزج بين الفكاهة والتأمل.

من ويلز إلى العالمية: رحلة فنية استثنائية

أدار الجلسة ريان عاشور، مدير معامل البحر الأحمر، الذي نجح في فتح صندوق أسرار هوبكنز الفنية والإنسانية. مع كل سؤال، أخذ هوبكنز الجمهور في رحلة امتدت لستة عقود، بدأت من بداياته المتواضعة في ويلز، مروراً بأدواره المسرحية الكبرى، وصولاً إلى الشخصيات التي صنعت مجده السينمائي العالمي. تحدث عن شغفه بالتمثيل منذ الصغر، وكيف أن المسرح كان نقطة الانطلاق التي شكلت وعيه الفني.

“هانيبال ليكتر” : الدور الذي غير قواعد اللعبة

تطرق هوبكنز إلى الدور الذي يعتبره الكثيرون علامة فارقة في مسيرته المهنية، وهو شخصية هانيبال ليكتر في فيلم “The Silence of the Lambs”. استعاد اللحظة التي تلقى فيها سيناريو الفيلم، معترفاً بأنه في البداية ظن أنه مجرد “حكاية أطفال”. لكن بعد قراءة بضعة صفحات، أدرك أن هذا الدور يمثل تحدياً فريداً من نوعه.

تحليل نفسي عميق للشخصية

أشار هوبكنز إلى أن نجاحه في تجسيد شخصية ليكتر لم يكن مجرد ثمرة موهبة فذة، بل كان نتيجة قراءة نفسية عميقة للشخصية. أراد أن يقدم ليكتر كـ”آلة”، كـ”عبقري في هيئة نفسية لا تشعر بأي شيء تجاه الإنسان”. هذا التحليل الدقيق ساعده على خلق شخصية مرعبة ومثيرة في آن واحد، لاقت استحساناً كبيراً من النقاد والجمهور على حد سواء. كما كشف عن تفاصيل مثيرة حول كواليس تصوير المشهد الأول الذي جمع بينه وبين جودي فوستر، وكيف أن اختياره للوقوف في منتصف الزنزانة كان يهدف إلى إبراز قدرة ليكتر على “شم” رائحة الخوف من ضحاياه.

فلسفة الأداء: الاقتصاد في الحركة والهدوء كسلاح

لم تقتصر الجلسة على حكايات تصوير الأفلام، بل انطلقت لتكشف عن فلسفة هوبكنز الخاصة في الأداء. أكد على أهمية الاقتصاد في الحركة والإيقاع، والاعتماد على الهدوء كسلاح. “كلما كنت أكثر سكوناً، كنت أكثر تأثيراً”، هكذا لخص هوبكنز مبادئه في التمثيل. هذه الفلسفة، كما يروي، تعود إلى نصيحة لا تنسى من النجمة الأسطورية كاثرين هيبورن، التي نصحته خلال تصوير فيلم “The Lion in Winter” بألا يحاول “التمثيل” بل أن يكون “هو نفسه”. وقدم هوبكنز سلسلة من التقليدات الصوتية لهيبورن، بالإضافة إلى مارلون براندو ولورنس أوليفييه، ما أضفى على الجلسة جواً من المرح والتفاعل.

نصائح للجيل الجديد وانتقادات بناءة

لم يتردد أنتوني هوبكنز في توجيه انتقادات صريحة لبعض الممثلين الشباب الذين يلجأون إلى الهمس والتمتمة في أدائهم. اعتبر أن هذا الأسلوب يفتقر إلى الاحترافية، ويحرم الجمهور من الاستمتاع بالعمل الفني. وأضاف أن الممثلين الشباب يجب أن يتعلموا من عمالقة التمثيل مثل مارلون براندو، الذين كانوا يمتلكون تقنيات عالية جداً، وكانوا يعرفون كيف يصلون إلى قلوب الجمهور. هذه النصائح جاءت في سياق حرص هوبكنز على تطوير مستوى التمثيل، وتشجيع الممثلين الشباب على الالتزام بأعلى معايير الجودة.

نظرة إلى المستقبل وأعمال قادمة

تطرق أنتوني هوبكنز إلى أعماله المقبلة، مشيراً إلى مشاركته في فيلم “Wife and Dog” مع المخرج البريطاني جاي ريتشي، الذي وصفه بـ”العبقري الغريب” و”أحد أكثر المخرجين إثارة للاهتمام”. كما تحدث باختصار عن دوره في فيلم “Ibelin” للمخرج مورتن تايلدم، وفيلم “Maserati: The Brothers” للمخرج بوبي موريسكو. هذه المشاريع الجديدة تؤكد استمرار هوبكنز في تقديم أعمال فنية متميزة، تثري السينما العالمية.

تأملات فلسفية وخاتمة مؤثرة

كان حديث أنتوني هوبكنز أقرب إلى تأمل فلسفي منه إلى استرجاع مهني. عبر عن امتنانه العميق للنجاح الذي حققه في حياته، معترفاً بأنه تجاوز كل توقعاته. وقال: “حياتي تجاوزت كل توقعاتي، أشعر أن شخصاً آخر كتبها، كنت محظوظاً طوال الوقت.. وما زلت هنا. لا أعرف لماذا، وهذا هو لغز الحياة”. هذه الكلمات اختتمت بها الجلسة، تاركةً الجمهور في حالة من التأثر العميق، ومؤكدةً أن أنتوني هوبكنز ليس مجرد ممثل عظيم، بل هو فنان بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى