دور نوعي لمواقع ووسائل التواصل والإعلام الجديد
اعتاد الناس الحديث السلبي عن «وسائل التواصل الاجتماعي» و«المواقع الإلكترونية»، بوصفها ضارة بالمطلق، إلا أن حدثاً اجتماعياً مهماً وقع في صعيد مصر، برهن مجدداً على أن هذه «الوسائل والمواقع» لها أدوار إيجابية في مجتمعاتنا العربية، يعجز عنها الإعلام التقليدي.
فقد نقلت وسائل الإعلام الرقمية، وبأبسط الوسائل، ثانية بثانية بالصوت والصورة، تفاصيل حدث اشترك في صنعه الآلاف في صعيد مصر، وهو وقائع «صلح أهلي» في قرية الخطارة بمحافظة قنا، تضمن طقوس «القودة»، التي تستهدف عفو صاحب الحق عن الطرف الآخر في الخصومة، بعد خلاف استمر لمدة سبع سنوات، إثر وقوع حادث قتل بين عائلتين، وهدد استمراره بتجدد النزاع وتهديد السلم، بحسب شهادات وشهود عيان نقلوا الحدث.
وشكل الحدث أهمية كبرى لأصحابه، لكن واقع الصراعات الكبرى التي يشهدها العالم، لم تترك لهم قيد أُنملة في وسائل الإعلام، للتعبير عن صوتهم، رغم أن معظم هذه الوسائل ترفع شعار أنها «صوت من لا صوت له».
والواقع أنه على الرغم من أن فكرة «القودة»، التي تقوم على العفو، وترتكز عليها المصالحات الأهلية ليست غريبة عن مخيلة المجتمعات العربية، فإن تغطيتها الإعلامية في عالم اليوم، في عصر المعلومات، أصبح ضرورة، كما أن نقل وقائع هذه المصالحات بـ«البث المباشر» و«اليوتيوب»، يقدم فرصة للأجيال الجديدة، للتعرف بعمق إلى تراث «ثقافة السلام» الموجودة في قلب مجتمعاتهم، كما يسمح لشباب المدن بمتابعة هذه العوالم البعيدة عنهم نسبياً، كما أنه يسمح بتوثيق الحدث، بحسب آراء خبراء إعلاميين.
ويسلّط الكاتب المصري، فتحي عبدالسميع، الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية، في كتابه «القربان البديل: طقوس المصالحات الثأرية في صعيد مصر»، الضوء على أهمية الوعي الشعبي بهذه المصالحات وطقوسها، ويقول، إن «القودة تقوم على مجموعة مركبة من العناصر الطقسية، ترسخ منهج اللاعنف في التصدي لمشكلة العنف»، وأن «الحكمة الشعبية في الطقس تعلي من شأن الحياة مهما كانت المبررات، وترفع من قيم العفو والتسامح والحوار إلى أعلى درجة».
ويشير عبدالسميع إلى أن «ثقافة التسامح من أهم الأمور التي يجب الاهتمام بها، لأنها تمثّل آلية مهمة في تحقيق السلم الاجتماعي».
ويرى الكاتب الصحافي ومراسل الشؤون المحلية، حمادة فؤاد أن «ظهور الإعلام الرقمي، أنقذ الصحافة المحلية التي تراجعت لأسباب، وكشف بأدواته النوعية، خصوصاً الفيديو والبث المباشر، عن امتلاك المجتمعات المحلية لغنى ثقافي، ونوعيات من القصص الصحافية التي لا تنتهي، كما بلور جمهوراً خاصاً به يُعنى بقضاياه المباشرة».