وكالات الإعلان قد تحول تهديد الذكاء الاصطناعي إلى فرصة

شهد عام 2024 تحولات جذرية في أسواق الأسهم، وكان من أبرزها التراجع الحاد في أسهم شركات الإعلان الكبرى، وهو ما يعزى بشكل كبير إلى التقدم المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي. هذا التراجع، الذي يثير القلق في أوساط المستثمرين، قد يكون في الواقع بداية فصل جديد لهذه الشركات، حيث يرى بعض المحللين أنها قادرة على استغلال هذه التحديات وتحويلها إلى فرص للنمو والتطور. فهل يشهد قطاع الإعلان تحولاً جذرياً أم أنه مجرد حالة من التقلبات المؤقتة؟
تراجع أسهم شركات الإعلان: هل الذكاء الاصطناعي هو السبب؟
تأثرت أسهم شركات الإعلان بشكل ملحوظ هذا العام، حيث سجلت شركة “دبليو بي بي” (WPP) البريطانية انخفاضاً كبيراً وصل إلى 60%، وذلك نتيجة لخسارة العديد من العقود الهامة. في المقابل، شهدت شركات منافسة مثل “بوبليسيس غروب” (Publicis Groupe) و”أومنيكوم” (Omnicom) انخفاضاً أقل حدة، لكنها لم تسلم من المخاوف العامة بشأن قدرة الذكاء الاصطناعي على أتمتة العديد من المهام التي كانت تتطلب في السابق تدخلاً بشرياً كبيراً.
هذا القلق ليس مجرد تخمين، بل يعكس واقعاً جديداً بدأت تظهر ملامحه في الصناعة. فمع ظهور أدوات متطورة مثل “نانو بانانا” من “جوجل” و”سورا 2″ من “أوبن إيه آي”، أصبح من الممكن إنتاج صور ومقاطع فيديو عالية الجودة ببساطة عن طريق إدخال نصوص مكتوبة. وقد استغلت شركة “كوكاكولا” هذه الإمكانات بالفعل في إعلانها التلفزيوني لعيد الميلاد، والذي تم إنتاجه بالكامل باستخدام الذكاء الاصطناعي للعام الثاني على التوالي.
التحول نحو الأتمتة: تهديد أم فرصة؟
بالإضافة إلى ذلك، تواجه وكالات الإعلان ضغوطاً متزايدة من شركات التكنولوجيا العملاقة مثل “ألفابت” و”ميتا”، اللتين أطلقتا أدوات تتيح للعلامات التجارية تصميم حملاتها الإعلانية بأنفسها، دون الحاجة إلى الاستعانة بوكالات خارجية. وهذا يثير مخاوف بشأن إمكانية قيام الشركات ببناء فرق تسويق داخلية تعتمد بشكل كبير على هذه الأدوات الآلية، مما قد يؤدي إلى تقليل الاعتماد على الوكالات التقليدية.
في هذا السياق، أعلنت شركة الأمن السيبراني “بالو ألتو نتوركس” (Palo Alto Networks) في سبتمبر الماضي أنها طورت حملة إعلانية كاملة داخلياً، دون الاستعانة بأي وكالة خارجية. وهذا مثال واضح على الاتجاه المتزايد نحو الاستقلالية في مجال التسويق.
دور الوكالات في عصر البيانات
ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن وكالات الإعلان لا تزال تمتلك ميزة تنافسية قوية، وهي القدرة على فهم سلوك المستهلكين وتخصيص الميزانيات الإعلانية بشكل فعال. ففي حين أن أدوات الذكاء الاصطناعي يمكنها إنتاج محتوى إعلاني جذاب، إلا أنها تفتقر إلى القدرة على تحليل البيانات المعقدة وتحديد أفضل القنوات للوصول إلى الجمهور المستهدف.
كما أن الوكالات تمتلك خبرة طويلة في التعامل مع مجموعة متنوعة من السمات الديموغرافية والنفسية للمستهلكين، مما يمكنها من تصميم رسائل تسويقية مخصصة تلبي احتياجاتهم ورغباتهم. هذه الخبرة تعود إلى ثمانينات القرن الماضي، حين كانت حملات البريد المباشر شائعة، وتعتبر أساساً لفهم سلوك المستهلكين في العصر الرقمي.
الذكاء الاصطناعي والإعلانات المخصصة
يشهد المشهد الإعلاني تطورات متسارعة، مع توقعات بأن الذكاء الاصطناعي سيسمح بإنشاء محتوى رقمي مخصص لكل مستهلك “بشكل فوري” تقريباً. وهذا يعني أن الإعلانات ستصبح أكثر استهدافاً وفعالية، مما سيزيد من العائد على الاستثمار للعلامات التجارية.
وفي هذا السياق، يرى المحلل في “بلومبرغ إنتليجنس” ماثيو بلوكسهام أن وكالات الإعلان ستلعب دوراً استراتيجياً في مساعدة العلامات التجارية على اجتياز هذا التعقيد المتزايد. فكلما زادت الحاجة إلى نصيحة ذات قيمة في مجال الاستراتيجية التسويقية واستراتيجية الوسائط، زادت أهمية دور الوكالات.
تقييمات منخفضة وفرص الاندماج والاستحواذ
أثرت المخاوف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي سلباً على تقييمات شركات الإعلان. فقد تراجع مكرر الربحية المستقبلي لشركة “دبليو بي بي” إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، في حين أن تقييم “أومنيكوم” قريب من أدنى مستوياته منذ عام 2020. ومع ذلك، قد تمثل صفقات الاندماج والاستحواذ فرصة للشركات المتعثرة لتعزيز مكانتها في السوق.
فقد أثارت شركة “دبليو بي بي” اهتمام شركة “هافاس” (Havas) في نوفمبر الماضي، على الرغم من أن الأخيرة نفت ذلك لاحقاً. ويرى المحلل في “ويدبوش سيكيوريتيز” (Wedbush Securities) جويل كولينا أن وكالات الإعلان “جاهزة للاندماج” لأنها عالقة في معركة بقاء في عالم تقوده التكنولوجيا الرقمية. تحول التسويق يتطلب استراتيجيات جديدة.
في الختام، على الرغم من التحديات التي تواجهها شركات الإعلان بسبب التقدم في تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلا أن هناك فرصاً كبيرة للنمو والتطور. فالشركات التي تتمكن من استغلال هذه التقنيات وتقديم خدمات ذات قيمة مضافة لعملائها ستكون قادرة على الازدهار في هذا العصر الجديد. هل ستتمكن وكالات الإعلان من التكيف مع هذا التحول الجذري، أم أنها ستفقد مكانتها لصالح شركات التكنولوجيا العملاقة؟ هذا ما ستكشف عنه السنوات القادمة.












