اخبار الامارات

الحرب في غزة تهز “وادي السيليكون” وتهدد صناعة الرقائق وسلاسل التوريد عالمياً

في قطاع التكنولوجيا وريادة الأعمال يُطلق على إسرائيل البالغة مساحتها مساحة ولاية نيوجيرسي تقريباً، لقب “أمة الشركات الناشئة”، حيث يتجاوز نصيب الفرد في عدد الشركات الناشئة أي دولة أخرى في العالم.

ووفقاً لتحالف الأعمال بين الولايات المتحدة وإسرائيل، تعد كاليفورنيا بمثابة المقر الرئيس العالمي أو الأميركي لـ35 شركة تأسست في إسرائيل، وهي شركات ناشئة تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار.

لكن أصبح للحرب في الشرق الأوسط تأثير مباشر في وادي السيليكون الأميركي، كما هو الحال مع وداي السيليكون الإسرائيلي، الذي يشكل المرتبة الثانية عالمياً بعد نظيره الأميركي.

وهناك حقيقة تكنولوجية تفيد بأن إسرائيل في طليعة إنتاج الرقائق والتكنولوجيا الفائقة والذكاء الاصطناعي، لكن الحرب تهدد هذا القطاع الحيوي للاقتصاد الإسرائيلي.

ولا شك في أن تايوان وإسرائيل دولتان صغيرتان تشكلان معًا 0.04% فقط من سكان العالم، لكنهما من بين أهم الدول على خريطة الرقائق العالمية.

الأولى، وهي تايوان، تغطي 60% من الإنتاج الصناعي في العالم، أما إسرائيل فهي المركز الغربي الأكثر أهمية لمصنعي المعالجات الدقيقة الدوليين، وفي طليعة قطاع التكنولوجيا.

ويكمن الخطر في أن الصراع الذي اندلع مرة أخرى في السابع من أكتوبر بين إسرائيل و”حماس” يمكن أن يضغط على سلسلة التوريد التي تعاني بالفعل أزمة بعد الوباء والحرب في أوكرانيا.

لقد كانت التكنولوجيا المتقدمة هي القطاع الأسرع نمواً في إسرائيل منذ سنوات، مع وجود 500 شركة متعددة الجنسيات فيها، كما أنها تغطي نحو خُمس الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي و14% من الوظائف.

 

هروب الشركات

وفقاً لدراسة أجرتها شركة Nation Central الناشئة، وبسبب التوترات داخل إسرائيل – مع تجميد الاحتجاجات ضد حكومة بنيامين نتنياهو بعد السابع من أكتوبر، تعمل العديد من الشركات على الانسحاب من السوق الإسرائيلية.

ويأتي ذلك بعد أن تحولت إسرائيل في التسعينات إلى مركز للشركات الناشئة، والتي غالباً ما استحوذت عليها مراكز الأبحاث واللاعبون الكبار مثل شركة “إنتل” و”آي بي إم” و”أبل” و”مايكروسوفت”.

ولكن ما حدث في التسعينات تعود جذوره إلى سبعينات القرن الماضي، عندما بدأ توطين التكنولوجيا المتقدمة قبل 50 عاماً، مع قيام شركة “إنتل” الأميركية ببناء فرع لها في مدينة حيفا في عام 1974، ومنذ ذلك الحين تحتفظ الشركة بشبكة من مرافق التصميم والإنتاج في جميع أنحاء إسرائيل.

كما تتمتع شركة “إنفيديا” – وهي أكبر شركة لتصنيع الرقائق المستخدمة في أنظمة الذكاء الاصطناعي – بحضور كبير في إسرائيل.

وكذلك الحال بالنسبة لشركة “أبل” التي تصمم بعضاً من الرقائق الإلكترونية الخاصة بها هناك، بإدارة مهندس إسرائيلي يُدعى جوني سروجي. كما تمتلك شركات عملاقة أخرى مثل “أمازون” و”مايكروسوفت” مراكز مهمة لتصميم الرقائق هناك أيضاً.

وكثير من الشركات اختارت مدينة حيفا بسبب قربها من المعهد الإسرائيلي للتكنولوجيا (تخنيون)، وهو معقل هندسي مهم جداً للقطاع التكنولوجي.

 

في مرمى الصواريخ

على مر السنين توسعت شركة مثل “إنتل”، وافتتحت مراكز أخرى في بتاح تكفا والقدس المحتلة، وباستثمار قدره 25 مليار دولار (وهو الأكبر على الإطلاق في إسرائيل) تقوم ببناء مركز آخر في مستوطنة كريات جات، على بعد 42 كيلومتراً من غزة، أي على بعد 30 دقيقة بالسيارة من حدود غزة، ما يجعله في مرمى صواريخ الفصائل الفلسطينية المسلحة.

بينما تقع مدينة حيفا الساحلية على بعد نحو 40 دقيقة بالسيارة من الحدود مع لبنان، حيث يتبادل الجيش الإسرائيلي مع “حزب الله” اللبناني القصف في الأيام الأخيرة.

ووفقاً للبيانات الصادرة عن شركة “إنتل”، هناك نحو من 12800 عامل في المراكز الإسرائيلية، مع صادرات تبلغ نحو 3.6 مليارات دولار (وفقاً لبيانات 2018، 7.5٪ من صادرات التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية).

وليس من قبيل الصدفة أن تتم صياغة اسم “وادي السيليكون” الإسرائيلي، من الاسم النموذجي للوديان في المنطقة وتقليداً لنظيره في كاليفورنيا.

أحد معالجات الشركة الأكثر مبيعاً في العالم “بانياس” يأخذ اسمه من نبع في مرتفعات الجولان، تم الاستيلاء عليه من سورية عام 1967.

وتعمل إنتل في إسرائيل على السيارات ذاتية القيادة والذكاء الاصطناعي (للاستخدام المدني والعسكري أيضاً، ويستخدم أيضاً في نظام القبة الحديدية الدفاعي، الذي يتمكن من تحييد 90٪ من الصواريخ ضد إسرائيل).

ولا تزال حيفا أحد مراكز التصنيع الرئيسة لمعالجات شركة “إنتل” التي تحتفظ بحصة كبيرة في سوق أجهزة الحاسوب والخوادم.

وإضافة إلى شركة إنتل الرائدة، تتمتع شركة “إنفيديا”، إحدى أكبر الشركات إنتاجاً لمعالجات الرسومات وبطاقات العرض المرئي أيضاً، بحضور هائل في إسرائيل، حيث أصبح هذا العملاق الأميركي الذي حلّق عالياً في سوق الأوراق المالية في الأشهر الأخيرة، أكبر منتج للرقائق لأنظمة الذكاء الاصطناعي ويقوم ببناء كمبيوتر فائق الذكاء الاصطناعي في إسرائيل، بالتعاون مع 800 شركة إسرائيلية ناشئة (سيُطلق عليها اسم “إسرائيل-” 1″) والذي سيكون من بين الأسرع في العالم.

كما تصمم شركة “أبل” بعضاً من الرقائق الإلكترونية الخاصة بها في إسرائيل، وتمتلك أمازون ومايكروسوفت مراكز تصميم رئيسة فيها.

وتوجد في إسرائيل أيضاً شركة “تاوور” (Tower Semiconductor)، وهي شركة صغيرة مقارنة بشركة “إنتل”، ولكنها مهمة في تطوير مكونات الرقائق، فقبل شهرين فشلت عملية الاستحواذ عليها من قبل شركة “إنتل” التي كانت تهدف إلى دمج المعرفة والخبرة التي كان من شأنها أن تساعد الشركة الأميركية في صراع التصنيع مع شركة Tsmc التايوانية أكبر مُصَنِّع للرقائق في العالم.

ونتيجة لما سبق، يثير وقوع حرب في قطاع غزة مخاوف عمالقة التكنولوجيا.

 

الكفاءات كجنود احتياط

وما يثير المخاوف أيضاً هو ما نقلته مصادر إعلامية أميركية وإسرائيلية، من أن 10% من العاملين في قطاع التكنولوجيا في إسرائيل تم استدعاؤهم بالفعل للعمل جنود احتياط في الجيش الإسرائيلي، وفي بعض الشركات قد ترتفع هذه النسبة إلى 30%، مع ما يترتب على ذلك من عواقب سلبية على رأس المال البشري.

وقامت إسرائيل بالفعل باستدعاء عدد غير مسبوق من جنود الاحتياط يبلغ 300 ألف جندي، يمكن أن يأتي كثير منهم من العمليات التكنولوجية المتمركزة في الولايات المتحدة.

وقال كوينسي كروسبي، كبير الاستراتيجيين العالميين في LPL Financial في شارلوت، بولاية نورث كارولينا، إنه من المحتمل أن يكون هناك “جهد هائل” لحماية المنشآت المادية للشركات الموجودة في إسرائيل من الهجمات، لأن بعض الإنفاق التكنولوجي مرتبط بالجيش الأميركي.

وانخفضت أسهم شركات التكنولوجيا الأميركية إلى حد كبير، بما في ذلك الشركات الرائدة التي لها عمليات كبيرة في إسرائيل.

وقال متحدث باسم شركة “إنتل” لصناعة الرقائق، وهي أكبر شركة خاصة ومصدرة في إسرائيل، إن الشركة “تراقب الوضع في إسرائيل عن كثب وتتخذ خطوات لحماية ودعم عمالنا”.

كما اختطفت “حماس” مهندس شركة “إنفيديا” ويدعي أفيناتان أور، وهو ما أكدته نفس الشركة التي ألغت مؤتمراً حول الذكاء الاصطناعي كان مقرراً عقده في 15 أكتوبر في تل أبيب.

وبشكل أكثر عمومية، يكمن الخطر في أن الحرب تؤدي إلى تعقيد وإبطاء سلاسل التوريد العالمية، في قطاع الرقائق والتكنولوجيا الذي أصبح مهدداً بالفعل، نتيجة التوترات السياسية والعسكرية حول العالم، وهو ما يهدد الآن – بعد الوباء والحرب في أوكرانيا – بأن يصبح القطاع أكثر تشتتاً حال وقوع اجتياح بري في غزة واتساع الحرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى