اخبار الكويت

أيام وأيام 2 بقلم د يعقوب يوسف الغنيم

في هذا المقال، نواصل استكشاف فصول مهمة من تاريخ الكويت، تلك الفترة التي شهدت تحولاً ملحوظاً في البلاد، وانفتاحها على العالم، وتلقيها لمدد التقدم والتطور. كما كانت الكويت محط أنظار المهتمين والمسؤولين من مختلف الدول الراغبة في الاطلاع على تجربتها الفريدة. سنركز هنا بشكل خاص على التعليم في الكويت، وجهودها المبكرة في إرسال البعثات الطلابية، وإنشاء “بيت الكويت” في مصر، بالإضافة إلى لمحة عن التطورات السياسية والاقتصادية في تلك الحقبة.

بداية النهضة التعليمية في الكويت (1936-1950)

بدأ الاهتمام بالتعليم في الكويت يتجسد بشكل رسمي منذ عام 1936، تحت إشراف مجلس المعارف ودائرة معارف الكويت. لم يقتصر دور المجلس على إنشاء المدارس وتوسيع نطاقها، بل تعداه إلى إدراك أهمية إرسال الطلاب للدراسة في الخارج، بهدف الحصول على تخصصات ضرورية لتنمية البلاد وخدمة أبنائها. كانت هذه خطوة استراتيجية لبناء جيل واعٍ ومثقف قادر على قيادة الكويت نحو مستقبل مشرق.

البعثات الدراسية إلى مصر: نواة التغيير

كانت مصر الوجهة الأولى للبعثات الدراسية الكويتية. في عام 1939، أُرسلت أول بعثة رسمية مكونة من أربعة طلاب. تبعتها بعثة أخرى في عام 1943 ضمت سبعة عشر طالباً، وشهد عام 1945 زيادة ملحوظة في أعداد الموفدين، حيث أُرسل سبعة وثلاثون طالباً. هذا التسارع في إرسال البعثات يعكس حرص الكويت على إعداد كوادر وطنية متخصصة في مختلف المجالات.

“بيت الكويت” في مصر: ملتقى الثقافة والطلاب

إدراكاً لأهمية توفير بيئة مناسبة للطلاب الكويتيين الدارسين في مصر، نشأت فكرة إنشاء “بيت الكويت” في مصر. كان الهدف من هذا البيت ليس مجرد توفير سكن للطلاب، بل أيضاً خلق مركز ثقافي يجمعهم ويوفر لهم الدعم والإشراف اللازمين. بعد جهود مضنية، وافقت دائرة المعارف على إنشاء البيت الذي افتتح رسمياً في الأول من أكتوبر عام 1945، واستضاف آنذاك ستة وخمسين طالباً موزعين على مختلف المدارس والمعاهد.

“بيت الكويت” لم يكن مجرد مكان للإقامة، بل كان منبراً ثقافياً هاماً. أصدر الطلاب مجلة “البعثة” التي عكست جهودهم وأنشطتهم المختلفة، وأتاحت لهم فضاءً للتعبير عن أفكارهم وآرائهم. هذه المجلة ظلت تصدر لسنوات طويلة، حاملة مشعل الثقافة والأدب الكويتي.

فترة حكم الشيخ عبدالله السالم الصباح (1950-1965)

شهدت الكويت في عام 1950 انتقالاً هاماً في السلطة، بوفاة الشيخ أحمد الجابر الصباح وتولي الشيخ عبدالله السالم الصباح مقاليد الحكم. كانت هذه الفترة حافلة بالأحداث والتحديات، خاصة مع تزايد الاهتمام العالمي بالنفط الكويتي.

التحديات البريطانية والتحرك نحو الاستقلالية

سعت بريطانيا خلال فترة حكم الشيخ عبدالله السالم إلى تعزيز نفوذها في الكويت، والاستفادة من ثرواتها النفطية المتزايدة. وقد قدمت مقترحات لاستثمار جزء من موارد البلاد في مشاريع تجارية وصناعية، بما في ذلك بناء أسطول ناقلات نفط. لكن الشيخ عبدالله السالم كان حريصاً على الحفاظ على مصالح الكويت، وتجنب أي اتفاقيات قد تقيد حريتها أو تضر بسيادتها.

تأسيس شركة ناقلات النفط الكويتية

استجابةً للحاجة إلى إدارة ثرواتها النفطية بشكل مستقل، قامت الكويت بتأسيس “شركة ناقلات النفط الكويتية” في عام 1957. كانت هذه الشركة مساهمة عامة، روعي فيها إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من الكويتيين للمشاركة في ملكيتها. وقد تم تحديد سقف للمساهمة في الشركة، لضمان توزيع عادل للأسهم.

بناء أسطول ناقلات النفط: تحدي النفوذ البريطاني

في عام 1962، طرحت شركة ناقلات النفط الكويتية مناقصة عالمية لبناء ناقلتين نفط عملاقتين. على الرغم من رغبة البريطانيين في أن يتم بناء الناقلتين في إنجلترا، رست المناقصة على شركة “ساسيبو” اليابانية. كان هذا القرار بمثابة تحدٍ للنفوذ البريطاني، وتأكيداً على سياسة الكويت في الاعتماد على نفسها وتنويع علاقاتها الدولية. أُطلق على الناقلتين اسم “الصبية” و “وربة”.

لمحات من الحياة الاجتماعية والجغرافية

بالإضافة إلى التطورات السياسية والاقتصادية، شهدت الكويت في تلك الفترة تطورات اجتماعية وجغرافية. تم الاهتمام بتطوير المناطق السكنية، وإنشاء المرافق العامة. كما تم الاهتمام بالزراعة، وتطوير الأراضي الزراعية.

المقوع وملح: مواقع ذات أهمية تاريخية

من المواقع الكويتية المعروفة في تلك الفترة “المقوع” و “ملح”. كان “ملح” موقعاً قديماً ذكراً في الكتب، وشهد أحداثاً تاريخية مهمة. أما “المقوع” فقد برز بعد استغلاله من قبل شركة نفط الكويت. كان “المقوع” يضم بعض الآبار الصالحة للشرب، وبعض المرافق التابعة لشركة النفط، ومستشفى تحول فيما بعد إلى مدرستين.

التعليم في الكويت شهد تطوراً كبيراً خلال هذه الفترة، ووضع الأساس للنهضة التعليمية التي شهدتها البلاد في العقود اللاحقة. إن فهم هذه المرحلة التاريخية الهامة يساعدنا على تقدير جهود الآباء والأجداد في بناء الكويت الحديثة، ويُلهمنا لمواصلة مسيرة التقدم والازدهار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى