وسط ضغط صيني.. الحزب الديمقراطي المعارض في هونج كونج يصوت لحل نفسه

في خطوة تاريخية تعكس تدهور المشهد السياسي في هونج كونج، صوت أعضاء الحزب الديمقراطي المعارض، الأحد، بأغلبية ساحقة على حلّ الحزب وتصفية نشاطه. يأتي هذا القرار في ظل تصاعد الضغوط الصينية المتزايدة على الأصوات الليبرالية المتبقية في المدينة، ضمن حملة أمنية واسعة النطاق مستمرة منذ سنوات، مما يثير تساؤلات حول مستقبل الحريات السياسية في هونج كونج. هذا التطور يمثل ضربة قاسية للديمقراطية في المنطقة، ويضع علامة استفهام كبيرة حول مبدأ “دولة واحدة ونظامين”.
حلّ الحزب الديمقراطي: نهاية حقبة سياسية
أعلن رئيس الحزب، لو كين، بعد اجتماع عام استثنائي، عن نتيجة التصويت، مؤكداً أن الحزب قد شرف بخدمة شعب هونج كونج على مدى ثلاثة عقود. وأضاف: “لقد كان هدفنا الأساسي دائماً مصلحة هونج كونج وشعبها”. من بين 121 صوتاً، صوّت 117 لصالح الحل، بينما امتنع 4 أعضاء عن التصويت. هذا القرار، وإن كان مؤلماً، يعكس الإدراك المتزايد داخل الحزب باستحالة الاستمرار في العمل السياسي الفعال في ظل القيود المتصاعدة.
لم يصدر أي تعليق فوري من مكتب الاتصال في هونج كونج، الهيئة التمثيلية الرئيسية للصين في هونج كونج، على هذا القرار. ومع ذلك، فإن السياق العام يشير إلى أن الضغوط الصينية كانت عاملاً حاسماً في هذا التطور.
الضغوط الصينية وتصاعد القيود على الحريات
أعربت إميلي لاو، الرئيسة السابقة للحزب الديمقراطي، عن أسفها العميق لنتيجة التصويت، متسائلة: “لماذا تنتهي منظمة قدمت الكثير لهونج كونج بهذه الطريقة؟”. وأضافت: “لم نتمكن قط من ممارسة الديمقراطية الحقيقية، ولم تُتح لنا الفرصة لانتخاب حكومتنا”. هذه التصريحات تعكس الإحباط العميق الذي يشعر به العديد من النشطاء السياسيين في هونج كونج.
وكشفت تقارير سابقة أن مسؤولين صينيين أو وسطاء قد تواصلوا مع كبار أعضاء الحزب، مطالبين بحله وإلا سيواجهون عواقب وخيمة، بما في ذلك الاعتقال. هذه الممارسات تثير قلقاً بالغاً بشأن استقلال القضاء وسيادة القانون في هونج كونج. الحزب الديمقراطي، الذي تأسس قبل ثلاث سنوات من تسليم هونج كونج إلى الصين عام 1997، كان يمثل المعارضة الرئيسية في المدينة، ويحظى بشعبية واسعة بين الناخبين.
انتخابات “للوطنيين فقط” وحكم على جيمي لاي
يأتي تصويت الحزب على حل نفسه بعد أسبوع من إجراء هونج كونج انتخابات المجلس التشريعي التي اقتصرت على المرشحين “الوطنيين” فقط، وقبل يوم واحد من صدور حكم على قطب الإعلام جيمي لاي، المعروف بانتقاداته اللاذعة للصين، في محاكمة تتعلق بالأمن القومي. هذه الأحداث المتتالية تؤكد على التوجه المتزايد نحو تقويض الحريات السياسية والصحفية في هونج كونج.
تداعيات حلّ الحزب الديمقراطي ومستقبل “دولة واحدة ونظامين”
يمثل حلّ الحزب الديمقراطي خسارة كبيرة للحركة الديمقراطية في هونج كونج. فقد كان الحزب يلعب دوراً محورياً في الضغط على بكين من أجل الإصلاحات الديمقراطية ودعم الحريات المدنية. مستقبل هونج كونج أصبح الآن أكثر غموضاً من أي وقت مضى.
في يونيو الماضي، أعلنت رابطة “الديمقراطيين الاشتراكيين” المؤيدة للديمقراطية أيضاً عن حل نفسها، مشيرة إلى “ضغوط سياسية هائلة”. هذه الخطوات المتتالية تشير إلى أن السلطات الصينية تهدف إلى القضاء على أي معارضة سياسية متبقية في هونج كونج.
قانون الأمن القومي وتأثيره على المشهد السياسي
منذ تطبيق قانون الأمن القومي في عام 2020، شهدت هونج كونج حملة اعتقالات واسعة النطاق طالت العشرات من الديمقراطيين، وإغلاق منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام الليبرالية. هذا القانون، الذي يمنح السلطات صلاحيات واسعة لقمع المعارضة، أثار انتقادات واسعة النطاق من الغرب. قانون الأمن القومي أدى إلى تهميش الحزب الديمقراطي وإبعاده عن الساحة السياسية.
هل سينهار مبدأ “دولة واحدة ونظامين”؟
أثار حلّ الحزب الديمقراطي مخاوف متزايدة بشأن مستقبل مبدأ “دولة واحدة ونظامين”، الذي وُعدت به هونج كونج عند تسليمها إلى الصين. هذا المبدأ، الذي يمنح هونج كونج درجة عالية من الحكم الذاتي والحريات، يتعرض لضغوط متزايدة من قبل السلطات الصينية. إميلي لاو أعربت عن أملها في ألا يستمر هذا المبدأ في التقلص، وألا يزداد عدد المعتقلين.
في الختام، يمثل حلّ الحزب الديمقراطي في هونج كونج علامة فارقة في تاريخ المدينة. هذا القرار يعكس تدهوراً خطيراً في الحريات السياسية، ويطرح تساؤلات جدية حول مستقبل هونج كونج ومبدأ “دولة واحدة ونظامين”. من الضروري أن يراقب المجتمع الدولي الوضع في هونج كونج عن كثب، وأن يدعم جهود الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في المدينة. هل ستستمر هونج كونج في التراجع نحو نظام حكم أكثر قمعاً، أم ستتمكن من الحفاظ على بعض من استقلاليتها وحرياتها؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه اليوم.












