الرابحون والخاسرون في بورصة الصين 2025.. طفرة ذهب وتكنولوجيا وتعثر العقارات

يشهد سوق الأسهم الصيني تحولاً ملحوظاً، حيث يتجه نحو تسجيل أقوى أداء سنوي له منذ عام 2017. هذه الموجة الصاعدة ليست مدفوعة بقطاع واحد، بل باتسعت لتشمل مجموعة متنوعة من الشركات، بدءاً من شركات التكنولوجيا المتقدمة وصولاً إلى عمالقة تعدين الذهب وشركات الأدوية. هذا النمو القوي يعكس تحولات اقتصادية واعدة، ولكنه أيضاً يسلط الضوء على التحديات المستمرة التي تواجهها الصين.
أداء الأسهم الصينية يتفوق على التوقعات
ارتفع مؤشر “إم إس سي آي الصين” (MSCI China Index) بنسبة تقارب 28% منذ بداية العام، مما يشير إلى زخم قوي ومستدام. هذا الارتفاع يضعه على المسار الصحيح لتسجيل زيادة سنوية ثانية على التوالي، والأهم من ذلك، أنه يتجه لتجاوز مؤشر “إس آند بي 500” بأكبر فارق منذ عام 2017، مما يؤكد جاذبية الأسهم الصينية للمستثمرين العالميين.
هذا النمو الشامل لم يقتصر على قطاع معين، بل امتد ليشمل مجالات عالمية رائجة مثل الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى الاستفادة من الازدهار في أسعار السلع. أيضاً، لعبت المحفزات المحلية مثل قطاع الابتكار والترفيه الرقمي دوراً مهماً في تعزيز هذا الأداء.
قطاعات رائدة في النمو
الذهب يقود مكاسب قطاع المواد
تصدر قطاع التعدين مكاسب سوق الأسهم الصيني، مدفوعاً بارتفاع أسعار الذهب والفضة والنحاس. فقد صعد مؤشر “إم إس سي آي الصين للمواد” (MSCI China Materials Index) بنحو 108% هذا العام، وهو أفضل أداء له منذ عام 2003. شركات مثل “تشاينا غولد إنترناشونال ريسورسز” (China Gold International Resources Corp) و”سي إم أو سي غروب” (CMOC Group Ltd) و”إم إم جي” (MMG Ltd) كانت على رأس الشركات المستفيدة من هذا الاتجاه.
يعزى هذا الارتفاع في أسعار المعادن إلى عدة عوامل، بما في ذلك المخاوف من ضعف الدولار وتزايد المخاطر الجيوسياسية، بالإضافة إلى نقص المعروض وارتفاع الطلب المرتبط بالبنية التحتية للذكاء الاصطناعي. حملة بكين لتقليص الفوائض الصناعية ساهمت أيضاً في دعم الأسعار المحلية.
عودة قطاع الأدوية الحيوية
شهد قطاع الرعاية الصحية الصيني انتعاشاً ملحوظاً بعد فترة ركود استمرت أربع سنوات. يعود هذا التحسن إلى صفقات الترخيص المربحة التي أبرمتها شركات الأدوية المحلية مع شركات عالمية، مثل صفقة “3 إس بايو” (3SBio Inc) مع “فايزر” (Pfizer Inc) لتطوير عقار مبتكر لعلاج السرطان. ويعتبر هذا مؤشرًا إيجابيًا على الاستثمار في الصين.
أصبحت الصين بمثابة “سوبرماركت” للأصول الابتكارية في مجال الأدوية، حيث استحوذت الشركات الصينية على 48% من قيمة صفقات الترخيص الخارجية حول العالم في الأشهر العشرة الأولى من عام 2024 وحده. ارتفع المؤشر الفرعي للرعاية الصحية في “إم إس سي آي الصين” بنحو 50% هذا العام، وقد شهدت أسهم “3إس بايو” و”ريميجن” (Remegen Co) قفزات كبيرة.
ازدهار الترفيه الرقمي
تلعب التغيرات في أنماط الإنفاق الاستهلاكي دورًا في دعم نمو بعض القطاعات. مع صعوبة سوق العمل وضعف نمو الدخل، يلجأ العديد من الصينيين إلى الترفيه المنزلي الأقل تكلفة، مما يمنح دفعة قوية لشركات الإنترنت الكبرى مثل “تينسنت هولدينغز” (Tencent Holdings Ltd) بالإضافة إلى شركات الألعاب الإلكترونية ومنصات التصوير المعزز بالذكاء الاصطناعي.
ارتفع مؤشر “إم إس سي آي الصين لقطاع خدمات الاتصالات” (MSCI China Communication Services Index) بأكثر من 40% هذا العام، وساهم بشكل كبير في الأداء العام لأسهم الشركات الصينية.
تحديات لا تزال قائمة
على الرغم من هذه المكاسب، لا يزال هناك قطاعات تواجه صعوبات. يعتبر قطاعا المرافق والعقارات من بين أضعف القطاعات أداءً. لم يشهد المؤشر الفرعي للمرافق أي تغيير يذكر، بينما لم تتجاوز مكاسب المؤشر العقاري 1.4%.
تعكس شركات الطاقة والغاز المتأثرة بانخفاض الأسعار بيئة انكماشية تمثل تحدياً للنمو الاقتصادي الصيني. كما أن أزمة القطاع العقاري المستمرة تؤثر سلباً على أداء شركات التطوير العقاري. تراجعت أسهم شركة “تشاينا فانكي” (China Vanke Co) بشكل ملحوظ هذا العام، مما يدل على استمرار الضغوط في هذا القطاع.
نظرة مستقبلية
يرى المحللون أن قطاع الذكاء الاصطناعي سيستمر في دفع النمو في الأسهم الصينية في المستقبل القريب. ومع ذلك، يعتقدون أيضًا أن حزمة تحفيز جديدة من الحكومة الصينية ستكون ضرورية لتحقيق نمو شامل ومستدام. خطة واضحة لمعالجة أزمة الإسكان أو تعزيز الإنفاق الاستهلاكي ستكون ذات تأثير إيجابي كبير.
بشكل عام، يشير الأداء القوي للأسهم الصينية هذا العام إلى تحول إيجابي في الاقتصاد الصيني، ولكنه أيضًا يسلط الضوء على التحديات التي لا تزال قائمة. من خلال معالجة هذه التحديات وتنفيذ سياسات تحفيزية فعالة، يمكن للصين أن تستمر في تحقيق نمو اقتصادي قوي وجذب الاستثمارات الأجنبية.











