اليابان تستهدف إنفاقاً دفاعياً قياسياً.. وضعف الين يهدد بتضخم الفاتورة

تستعد اليابان لاتخاذ خطوة تاريخية في تعزيز قدراتها الدفاعية، حيث تعتزم رفع الإنفاق الدفاعي إلى مستوى قياسي جديد في السنة المالية القادمة. يأتي هذا القرار في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، والضغوط المتزايدة من الولايات المتحدة لزيادة مساهمة اليابان في التكاليف الدفاعية، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية المتمثلة في ضعف الين الياباني. يهدف هذا التحرك إلى ضمان أمن البلاد في مواجهة التهديدات الإقليمية المتزايدة، وتعزيز التحالف الاستراتيجي مع واشنطن.
ميزانية دفاعية قياسية: تفاصيل وأرقام
أقر مجلس الوزراء الياباني مقترحاً لرفع الإنفاق الدفاعي إلى حوالي 9.04 تريليون ين (57.9 مليار دولار أمريكي) للسنة المالية التي تبدأ في أبريل 2026. يمثل هذا زيادة بنسبة 3.8% عن السنة المالية الحالية، وهي المرة الأولى التي يتجاوز فيها الإنفاق الدفاعي في اليابان حاجز الـ 9 تريليونات ين. تأتي هذه الزيادة الكبيرة في سياق خطة أوسع لتعزيز القدرات العسكرية اليابانية، والتي تهدف إلى مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة في المنطقة.
تشمل الميزانية المقترحة تكاليف مرتبطة بمحافظة أوكيناوا، والتي تستضيف أكبر وجود عسكري أمريكي في منطقة المحيط الهادئ، بالإضافة إلى تكاليف نقل القواعد العسكرية الأمريكية. هذا يعكس التزام اليابان بدعم التحالف الأمني مع الولايات المتحدة، وتوفير بيئة مستقرة للقوات الأمريكية المتمركزة في البلاد.
التوترات الجيوسياسية والضغوط الأمريكية
لا يأتي هذا القرار في فراغ، بل هو استجابة مباشرة لتطورات جيوسياسية مقلقة. فبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، شهد العالم ارتفاعاً في الإنفاق الدفاعي، مدفوعاً بمخاوف أمنية متزايدة. وفيما يتعلق بحلفاء الولايات المتحدة، هناك أيضاً ضغوط متزايدة لتلبية مطالب الرئيس السابق دونالد ترامب بزيادة مخصصات الدفاع.
القدرات العسكرية كوريا الشمالية والصين تزيد من حدة هذه المخاوف. تواصل كوريا الشمالية تطوير برنامجها النووي والصاروخي، مما يشكل تهديداً مباشراً لليابان. وفي الوقت نفسه، تزداد التوترات بين طوكيو وبكين بسبب الخلافات حول تايوان، وتصريحات رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي بشأنها. هذه العوامل مجتمعة تدفع اليابان إلى تعزيز دفاعاتها بشكل كبير.
رد فعل الصين على زيادة الإنفاق الدفاعي
لم تتأخر الصين في انتقاد خطط اليابان لزيادة الإنفاق الدفاعي. صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، بأن اليابان “لم تكتفِ بالفشل في مراجعة أفعالها أو إظهار ضبط النفس، بل تخطط أيضاً لزيادة كبيرة أخرى في ميزانيتها الدفاعية”. وأضاف أن هذا يعكس “النوايا الخبيثة للقوى اليمينية اليابانية الساعية إلى إعادة التسلح وإحياء النزعة العسكرية”. هذه التصريحات تعكس القلق الصيني من التحول في السياسة الدفاعية اليابانية، وتأثيره المحتمل على ميزان القوى في المنطقة.
تحديات اقتصادية تؤثر على الميزانية
بالإضافة إلى التحديات الجيوسياسية، تواجه اليابان أيضاً تحديات اقتصادية تؤثر على قدرتها على تمويل زيادة الإنفاق الدفاعي. فقد أدى ضعف الين الياباني إلى ارتفاع تكاليف شراء المعدات العسكرية من الخارج. كما أن معدلات التضخم المحلية تساهم في زيادة كلفة الحفاظ على هدف رفع الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي.
على سبيل المثال، ارتفعت كلفة بناء الفرقاطات إلى 104 مليارات ين مقارنة بـ 87 مليار ين قبل عامين، بينما ارتفع سعر الطائرة المقاتلة الأمريكية من طراز “إف-35 إيه” إلى 18.7 مليار ين بدلاً من 14 مليار ين. كما سيرتفع الإنفاق على الطعام لأفراد قوات الدفاع الذاتي بنسبة 14% بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة. هذه الزيادات في التكاليف تضع ضغوطاً إضافية على الميزانية الدفاعية، وتجعل تحقيق هدف الـ 2% أكثر صعوبة.
ضعف الين وتأثيره على التكاليف
تعتمد وزارة الدفاع اليابانية في حسابات ميزانيتها على سعر صرف محدد للدولار الأمريكي مقابل الين الياباني. في ميزانية السنة المالية المقبلة، تم استخدام سعر صرف يبلغ 149 يناً مقابل الدولار. الوضع الاقتصادي ومع ذلك، فإن الين كان يتداول عند حوالي 156.10 مقابل الدولار في وقت إعداد هذه الميزانية، وهو مستوى أضعف قد يؤدي إلى زيادة أسعار السلع المستوردة إذا لم يشهد تحسناً خلال الأشهر المقبلة.
التمويل والضغوط السياسية
على الرغم من الحاجة المتزايدة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي، واجهت الحكومة اليابانية صعوبة في تأمين مصادر تمويل مستقرة. لقد استغرق الأمر ثلاث سنوات لتثبيت تدابير التمويل الخاصة بخطة عام 2022، ولم يتفق الائتلاف الحاكم إلا هذا العام على البدء في رفع ضريبة الدخل اعتباراً من عام 2027 لتغطية جزء من فجوة التمويل المتبقية.
ومع ذلك، تؤكد وزيرة المالية ساتسوكي كاتاياما على أهمية تعزيز القدرة الدفاعية لليابان، خاصةً في ظل سعيها للحصول على دعم الولايات المتحدة. وقالت في مقابلة حديثة: “على اليابان أن تظهر استعدادها للدفاع عن نفسها بنفسها، مهما كانت قوة التحالف الأمني بين اليابان والولايات المتحدة”. هذا يعكس إدراكاً متزايداً في طوكيو بأن الاستثمار في الدفاع هو ضرورة استراتيجية، وأنه يمكن أن يعزز التحالف مع الولايات المتحدة.
في الختام، يمثل قرار اليابان بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى مستوى قياسي جديد تحولاً هاماً في سياستها الأمنية. يأتي هذا القرار استجابةً للتحديات الجيوسياسية المتزايدة، والضغوط الأمريكية، والتحديات الاقتصادية الداخلية. من خلال تعزيز قدراتها العسكرية، تسعى اليابان إلى ضمان أمنها القومي، والحفاظ على استقرار المنطقة، وتعزيز تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة.












