اخبار الاقتصاد

سوريا بعد عام التحول.. إنجازات تحققت وتحديات تنتظر

لم يكن عام 2025 عاماً عادياً في المشهد السوري. فبعد سنوات من العزلة والجمود الاقتصادي، بدأت دمشق تعود تدريجياً إلى خارطة المال والطاقة والسياسة الدولية، مدفوعةً بإدارة جديدة تسعى إلى تفكيك إرث العقوبات وإعادة ربط الاقتصاد السوري بالعالم. هذا التحول، رغم أهميته، لا يُقاس بعدد الاتفاقات أو القرارات المعلنة، بل بقدرته على الصمود في وجه شبكة معقدة من التحديات الداخلية والخارجية -في مقدمتها عملية إعادة الإعمار- التي ستبدأ باختبار جديتها اعتباراً من عام 2026. الوضع الاقتصادي في سوريا يشهد تحولات كبيرة، وإعادة الإعمار في سوريا هي المحور الرئيسي لهذه التغيرات.

رفع العقوبات: أهم الإنجازات

يمثّل رفع العقوبات الغربية التي كانت مفروضة على نظام الأسد لعقود أحد أبرز الإنجازات التي تمكنت سوريا الحديثة من تحقيقها. ففي 19 ديسمبر الجاري، وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب قانون تقويض الدفاع الذي يتضمن إلغاء عقوبات “قانون قيصر” عن سوريا. هذا الإجراء يفتح آفاقاً جديدة للاقتصاد السوري بعد سنوات من الحصار.

أشار محافظ مصرف سورية المركزي عبد القادر حصرية إلى أن هذا القرار سيفتح فرصاً مهمة أمام البلاد، من بينها الحصول على تصنيف ائتماني سيادي. وأضاف أن الإلغاء يزيل حاجزاً قانونياً أساسياً أمام إعادة اندماج سوريا في النظام المالي الدولي. حصرية لمّح إلى السعي للحصول على تصنيف ائتماني سيادي غير معلن واستشاري كخطوة أولى، ثم الانتقال إلى تصنيف علني عندما تسمح الظروف، لافتاً إلى أن من المرجح أن تحصل سوريا في البداية على تصنيف ائتماني منخفض، معتبراً أن ذلك أمر طبيعي بالنسبة للدول الخارجة من نزاعات.

عملياً، سيحقق إلغاء العقوبات أثراً اقتصادياً ضخماً بالنسبة لسوريا. وفي مقابلة، رأى حصرية أن هذه الخطوة سترفع الاستثمار والنقل، وتزيد من مساهمة القطاع المالي في الناتج المحلي الإجمالي، مؤكداً أن القطاع المالي سيكون المستفيد الأول، بعدما تسببت العقوبات في “عزل القطاع عن العالم”.

ظهرت آثار إزالة العقوبات حتى قبل توقيع القانون، إذ أعلنت البلاد عودتها للعمل بنظام “سويفت” العالمي، كما بدأت بعض المصارف العالمية والإقليمية في التعامل مع سوريا، في وقت وقّع مصرف سورية المركزي اتفاقية مع شركة “فيزا” العالمية تتضمن خارطة طريق لبناء منظومة المدفوعات الرقمية.

تحديات في ملف العقوبات وإعادة الإعمار

لكن هذه الإنجازات لا تلغي التحديات التي ستواجه هذا القطاع في 2026، إذ يطلب القانون من الرئيس الأميركي تقديم تقرير للكونغرس كل 6 أشهر خلال السنوات الأربع المقبلة لتقييم أداء الحكومة السورية، ومدى اتخاذها “إجراءات ملموسة” في عدة ملفات من بينها القضاء على تهديد “الجماعات الإرهابية”. هذا الشرط يضع الحكومة السورية أمام ضغوط مستمرة.

هذا يعني أن الحكومة السورية ستكون أمام مطالب أميركية وغربية للقضاء على تهديدات هذه الجماعات، في وقت أنها لم تنه بعد عملية بناء الجيش وترسيخ سلطتها على كامل الأراضي السورية، وسط تزايد لهجمات “داعش” في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، فإن حجم الاستثمارات المطلوبة لإعادة الإعمار في سوريا يمثل تحدياً كبيراً.

تحسن في الكهرباء وإنتاج النفط والغاز

منذ تسلمها السلطة، سارعت الإدارة الجديدة إلى البدء بعمليات صيانة وتطوير لمنشآت الكهرباء والغاز والنفط، خصوصاً أنها تمثل حجر الأساس لتطوير الاقتصاد، وتشكّل عاملاً مباشراً في تحسين معيشة المواطنين مع وصول نسبة الفقر داخل البلاد إلى 90%.

خالد أبو دي، المدير العام لمؤسسة نقل وتوزيع الكهرباء، أكد أن الإنتاج الكهربائي لا يغطي إلا 20% من إجمالي الاحتياجات الحالية لافتاً إلى أن كلفة إعادة تأهيل القطاع تُقدّر بنحو 40 مليار دولار، وهو ما يعادل ضعف الناتج المحلي الإجمالي الحالي. ولكن، تمكنت البلاد خلال هذه السنة من زيادة إنتاج الطاقة الكهربائية إلى 2400 ميغاواط بدعم من التحسينات وعمليات الصيانة، ما خفف من ساعات التقنين الكهربائي في مختلف المحافظات، في وقت تواصل العمل على جذب شركات إقليمية وعالمية للعمل في هذا القطاع.

أبرز الاتفاقات في قطاع الطاقة

شهد عام 2025 توقيع العديد من الاتفاقات الهامة في مجال الطاقة، منها:

  • نوفمبر: سوريا تستعين بـ”أكوا باور” السعودية لوضع خطة تطوير قطاع الطاقة حتى 2040.
  • نوفمبر: دمشق تبحث مع البنك الدولي إطلاق مشاريع في قطاع الكهرباء.
  • أغسطس: السعودية وسوريا توقعان اتفاقية و6 مذكرات لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة.

وفي قطاع النفط، عملت البلاد أيضاً على رفع معدلات الإنتاج لتناهز 100 ألف برميل يومياً، بعدما بلغت في 2023 نحو 30 ألف برميل يومياً. وتقدر احتياجات سوريا من النفط حالياً قرابة 120 ألف برميل يومياً، مرجحاً ارتفاع هذه الحاجة إلى نحو 200 ألف برميل في المرحلة المقبلة، مع تسارع متطلبات إعادة الإعمار وعودة النشاط إلى القطاعات الإنتاجية والخدمية. كما أعلنت البلاد في أبريل تشغيل مصفاة “بانياس” للمرة الأولى منذ سنوات، وصدّرت شحنة قدرها 600 ألف برميل من النفط الثقيل.

تحديات تواجه ملف الطاقة والمالية

تتمثل العقدة الرئيسية في ملفي النفط والغاز في سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على غالبية مواقع إنتاج النفط في شمال شرقي البلاد. ورغم التوصل لاتفاق مع “قسد” في مارس الماضي، إلا أن التعقيدات لا تزال متواصلة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الاهتمام الإقليمي والغربي في تطوير قطاعي النفط والغاز لن يوصل إلى زيادة الإنتاج بشكل فوري، خصوصاً أن الاستثمارات في هذه القطاعات غالباً ما تكون “طويلة الأجل”. وتخطط سوريا للبدء بالتنقيب عن النفط والغاز في البحر، في وقت هناك تداخل لمكامن النفط والغاز بين سوريا ولبنان، ما يتطلب اتفاقاً على ترسيم الحدود.

على الصعيد المالي، يمثل رفع الأجور وتوفير السيولة النقدية تحدياً كبيراً. كما أن غياب موازنة واضحة للعامين الجاري والمقبل يثير بعض المخاوف. ولكن، هناك خطوات جادة نحو إصلاح النظام الضريبي وتحديثه، بالإضافة إلى دراسة خصخصة الشركات الحكومية.

نظرة مستقبلية لـ سوريا

جميع هذه الملفات صعبة ولكنها أساسية لإعادة بناء دولة جديدة متموضعة بشكل قوي في الاقتصاد العالمي. نجاح مسار إعادة الإعمار في سوريا، وتأمين الكهرباء والطاقة، وإدارة الملف المالي والنقدي، إلى جانب معالجة التحديات السياسية والأمنية، سيحدد ما إذا كانت البلاد قادرة على تحويل الزخم الحالي إلى مسار تنموي مستدام. سوريا تقف على مفترق طرق، والعام 2026 سيكون حاسماً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى