اخر الاخبار

فرنسا.. ضغوط المعارضة تدفع الحكومة نحو تنازلات إضافية لتمرير “موازنة 2026”

في ظلّ أزمة سياسية متصاعدة في فرنسا، يواجه رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو تحدياً حقيقياً لضمان استمرارية عمل الدولة. فبعد فشل البرلمان في تمرير مشروع قانون المالية لعام 2026، يعتزم لوكورنو تقديم قانون خاص، أو ما يُعرف بـ “موازنة استثنائية”، بهدف تجاوز هذا الجمود السياسي والحفاظ على سير المؤسسات. هذا القانون يمثل محاولة لإيجاد حل مؤقت، لكنه يأتي مع ضغوط كبيرة وتنازلات محتملة قد تؤثر على رؤية الرئيس إيمانويل ماكرون.

قانون الموازنة الخاص: ضرورة أم حل مؤقت؟

يعتبر تقديم قانون الموازنة الخاص خطوة غير مسبوقة تقريباً، لكنها باتت ضرورية بعد تعثر مشروع قانون المالية لعام 2026 في البرلمان. هذا التعثر يضع الحكومة الفرنسية في موقف حرج، حيث أن عدم وجود ميزانية معتمدة قد يؤدي إلى شلل في الإنفاق الحكومي وتعطيل الخدمات الأساسية. الهدف الأساسي من هذا القانون هو تجنب سيناريو مشابه للإغلاق الحكومي الذي شهدته الولايات المتحدة في الماضي.

من المقرر أن يتم عرض هذا القانون على مجلس الوزراء يوم الاثنين، ووفقاً لشبكة EUROPE 1 الفرنسية، فإن لوكورنو يستعد لتقديم تنازلات كبيرة للأحزاب المعارضة، وخاصة الحزب الاشتراكي والحزب الجمهوري، بهدف حشد الدعم اللازم لتمرير الميزانية قبل الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في مارس المقبل. ويؤكد مراقبون أن التوقيت بالغ الأهمية، حيث أن الحملات الانتخابية قد تطغى على النقاش حول الموازنة وتجعل التوصل إلى اتفاق أكثر صعوبة.

التحديات السياسية أمام لوكورنو

يواجه لوكورنو مهمة شاقة في إقناع الأحزاب المعارضة بالتصويت لصالح الميزانية. فالحزب الاشتراكي والحزب الجمهوري يمتلكان مطالب مختلفة، وقد يترددان في تقديم دعم للحكومة دون الحصول على تنازلات ملموسة.

برونو ريتايليو، زعيم الجمهوريين، دعا الحكومة إلى استخدام المادة 49.3 من الدستور الفرنسي، والتي تسمح بتمرير القوانين دون تصويت، لكنه حذر في الوقت نفسه من الاستمرار في “التنازل المستمر للاشتراكيين”. هذا يعكس الانقسام الموجود داخل المعارضة الفرنسية، وصعوبة التوصل إلى توافق عام حول الميزانية.

التنازلات المحتملة وتأثيرها على السياسات

لتحقيق أهدافه، سيتعين على لوكورنو تقديم تنازلات جديدة لكل من الحزب الاشتراكي والحزب الجمهوري، مع الحرص على عدم إغضاب مؤيدي الرئيس ماكرون. هذا المسار، كما وصفه أحد نواب كتلة الوسط، “شبه مستحيل”، لكنه ليس سبباً لإحباط خطط رئيس الوزراء.

تشير التقارير إلى أن التنازلات المحتملة قد تشمل تعديلات في بعض بنود الإنفاق، أو تقديم ضمانات بشأن قضايا اجتماعية وبيئية. لكن هذه التنازلات قد تأتي على حساب أولويات الحكومة، مثل خفض عجز الميزانية وزيادة الإنفاق الدفاعي.

ميزانية الدفاع على المحك

أحد أهم التحديات التي تواجه لوكورنو هو الحفاظ على خطط الرئيس ماكرون لزيادة الإنفاق الدفاعي الفرنسي بمقدار 6.5 مليار يورو خلال العامين المقبلين. ففي حال عدم إقرار الميزانية قبل نهاية العام الجاري، ستضطر الحكومة إلى ترحيل ميزانية عام 2025 وتطبيقها على عام 2026.

هذا الإجراء، على الرغم من أنه قد يجنب البلاد إغلاقاً حكومياً، إلا أنه سيحد بشكل كبير من قدرة لوكورنو على إعادة ضبط المالية العامة وتنفيذ خطط زيادة الإنفاق الدفاعي. كما أنه قد يؤثر سلباً على التصنيف الائتماني لفرنسا، ويزيد من تكلفة الاقتراض.

المخاطر الاقتصادية والمالية

حذّر لوكورنو في نوفمبر الماضي من أن الفشل في إقرار الميزانية قبل نهاية العام يشكل “خطراً” على الاقتصاد الفرنسي. وتتابع الأسواق المالية تطورات الوضع في فرنسا بقلق، خشية أن تدخل البلاد في “فراغ سياسي” قد يعرقل قدرتها على ضبط ماليتها العامة.

أكدت وزيرة الدولة المكلفة بالحسابات العامة، أميلي دو مونشالان، أن “كلما طال الوقت دون ميزانية، زادت الكلفة المالية”، مشيرة إلى أن الثمانية أسابيع التي مرت بها فرنسا بدون ميزانية في العام الماضي كلفت الدولة نحو 12 مليار يورو.

عجز الميزانية وتأثيره على الاستقرار المالي

يُتوقع أن يبلغ عجز الميزانية الفرنسية هذا العام 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي. وكان لوكورنو قد صرح في أكتوبر الماضي بأن عجز ميزانية عام 2026 يجب ألا يتجاوز 5% من الناتج المحلي الإجمالي.

من جانبه، حذر فرانسوا فيليروا دو جالو، محافظ بنك فرنسا، من أن تجاوز هذا المستوى قد يعرض البلاد للخطر، مشيراً إلى أن كل زيادة بنسبة 1% في عجز الميزانية تؤدي إلى استنزاف حوالي 7 مليارات يورو إضافية بسبب مدفوعات فوائد الدين. هذا يعني أن 70 مليار يورو قد لا تكون متاحة للإنفاق على مجالات حيوية مثل التعليم والأمن والتكنولوجيا الرقمية خلال السنوات العشر القادمة.

الحلول المؤقتة والمستقبل المالي لفرنسا

في الوقت الحالي، يتجه المشرّعون إلى إقرار إجراء مؤقت يقضي بتمديد العمل بميزانية عام 2025 إلى العام المقبل، ثم العودة لاحقاً للعمل على إقرار ميزانية 2026 خلال العام الجديد. هذا الحل، على الرغم من أنه قد يجنب البلاد إغلاقاً حكومياً، إلا أنه لا يساهم في خفض عجز الميزانية.

إن مستقبل المالية العامة الفرنسية يعتمد بشكل كبير على قدرة الحكومة على التوصل إلى اتفاق مع الأحزاب المعارضة بشأن الميزانية. ويتطلب ذلك تقديم تنازلات متبادلة، والتركيز على الأولويات المشتركة، والعمل بروح المسؤولية الوطنية. الموازنة ليست مجرد أرقام، بل هي انعكاس لخيارات سياسية واقتصادية ستحدد مسار فرنسا في السنوات القادمة. الاستقرار المالي للبلاد يتوقف على إيجاد حل سريع وفعال لهذه الأزمة. الإنفاق الحكومي يجب أن يكون مدروساً ومستداماً لضمان النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى