من “نزع السلاح” إلى “قوة الاستقرار”.. عقبات على طريق المرحلة الثانية من اتفاق غزة

تواجه الجهود الأمريكية الرامية إلى الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة الرئيس السابق دونالد ترمب لوقف الحرب في غزة تحديات كبيرة، تتعلق بشكل أساسي بمسائل الانسحاب الإسرائيلي، وتشكيل قوة الاستقرار الدولية المقترحة، ومستقبل الأسلحة لدى الفصائل الفلسطينية. وبينما تتزايد الشكوك حول إمكانية إطلاق هذه المرحلة قريباً، تتكثف المشاورات الدبلوماسية في محاولة لإنقاذها من التعثر. هذا المقال يتناول تفاصيل هذه العقبات والمساعي الجارية لخلق حلول، مع التركيز على المفاوضات الجارية واتفاق غزة المحتمل.
تعثر المرحلة الثانية من اتفاق غزة.. هل تنجح الدبلوماسية الأمريكية؟
الجهود الأمريكية للوصول إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة تواجه صعوبات متزايدة. فبعد أسابيع من الركود في المحادثات، سافر مبعوث الرئيس ترمب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى ميامي، فلوريدا، للقاء مسؤولين من قطر ومصر وتركيا، وذلك في محاولة لإعادة الزخم للمفاوضات. هذا التحرك يأتي في وقت حرج، حيث يلوح في الأفق خطر استئناف القتال. وفي مسار موازٍ، استضافت إسطنبول اجتماعاً جمع رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن مع وفد من حركة حماس، في إطار جهود تركية مباشرة مرتبطة بآفاق التهدئة المستقبلية والمرحلة اللاحقة من اتفاق وقف إطلاق النار. المخاوف الرئيسية تدور حول كيفية تحقيق انتقال آمن ومستدام، مع مراعاة مصالح جميع الأطراف.
عقدة “السلاح مقابل الانسحاب”: جوهر الخلاف
تقوم المرحلة الثانية من خطة ترمب على مجموعة من البنود الرئيسية، تشمل: انسحاباً جزئياً يتم تعزيزه لاحقاً من القوات الإسرائيلية من غزة، وتشكيل هيئة دولية مؤقتة لإدارة القطاع (مجلس السلام)، وكذلك ترتيبات أمنية تهدف إلى نزع سلاح حركة حماس ومنع أي إعادة تسلح مستقبلية. وقد لقي هذا الإطار دعماً من خلال قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، والذي نص على إنشاء “قوة استقرار دولية” وآلية حكم انتقالية.
لكن العقبة الأكبر تكمن في التباين حول ترتيب الأولويات. إسرائيل تشدد على ضرورة أن يسبق نزع سلاح حماس أي انسحاب إسرائيلي، وتصر على تفكيك قدرات الحركة العسكرية بالكامل. في المقابل، ترفض حماس تقديم التزام صريح بنزع السلاح، وتقترح بدلاً من ذلك “هدنة طويلة الأمد” أو “تجميد أو تخزين السلاح” مقابل الانسحاب الإسرائيلي وتقديم ضمانات تمنع أي عودة للعمليات العسكرية. هذا الاختلاف الجوهري يهدد بتقويض أي تقدم في المفاوضات.
الهدنة طويلة الأمد هي أحد المقترحات المطروحة، حيث دعا خالد مشعل، قيادي في حماس، إلى تفاوض مباشر مع الولايات المتحدة، معرباً عن استعداد الحركة لـ “هدنة طويلة الأمد” مع إسرائيل. تطرح حماس فكرة “تخزين سلاح الحركة” بحيث لا يتم استخدامه ولا عرضه، كجزء من هذه الهدنة، وهو ما يرفضه الإسرائيليون بشدة.
من يضمن نزع السلاح؟ مهام قوة الاستقرار الدولية محل جدل
يشكل تحديد مهام “قوة الاستقرار الدولية” تحدياً كبيراً. على الرغم من أن الخطة وقرار مجلس الأمن يشيران إلى ترتيبات أمنية لمنع إعادة التسلح والحفاظ على وقف إطلاق النار، إلا أن السؤال الأهم – “من سيقوم بنزع سلاح حماس فعلياً؟” – لا يزال بلا إجابة واضحة. تتردد العديد من الدول في إرسال قوات إلى بيئة قد تتطلب مواجهة مباشرة أو احتكاكاً مع الفصائل الفلسطينية.
وفي هذا السياق، صرح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن ترتيبات الحكم الجديدة في غزة “ستكون جاهزة قريباً”، يتبعها تشكيل القوة الدولية. لكنه أقر في الوقت نفسه بأن هناك أسئلة أساسية، وعلى رأسها ملف نزع السلاح، لا تزال تنتظر إجابات مقنعة للدول المرشحة للمشاركة في القوة.
حساسية مشاركة تركيا وتوقعات اللقاء المرتقب بين ترمب ونتنياهو
تثير مشاركة تركيا المحتملة في “قوة الاستقرار الدولية” جدلاً خاصاً. تشير التقارير الإسرائيلية إلى أن تل أبيب تعارض بشدة مشاركة قوات تركية في أي قوة عسكرية على الأرض في غزة، وهو ما انعكس على استبعاد تركيا من مؤتمر دولي استضافته الدوحة لمناقشة القوة المقترحة.
في الأيام الماضية، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتوم باراك، السفير الأمريكي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، في القدس لمناقشة ملفات غزة وسوريا ولبنان. وتشير تقارير إلى وجود رسائل أمريكية “حازمة” تحث إسرائيل على عدم عرقلة التقدم نحو المرحلة الثانية من اتفاق غزة.
هناك عدة ملفات رئيسية مطروحة على طاولة محادثات ترمب ونتنياهو المرتقبة في 29 ديسمبر الجاري بفلوريدا:
- مستقبل المرحلة الثانية من اتفاق غزة.
- التركيبة النهائية لـ قوة الاستقرار الدولية في القطاع.
- تحديد نطاق ومراحل الانسحاب الإسرائيلي.
- ترتيبات الحكم في غزة ما بعد انتهاء الحرب.
وفي هذا الإطار، أفاد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بأن الوسطاء في اتفاق غزة قد توصلوا إلى “تفاهمات واعدة” خلال اجتماعات ميامي بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق. وأشار بيان مشترك إلى أن الاجتماعات تناولت تقييم ما تم إنجازه في المرحلة الأولى، بما في ذلك تعزيز المساعدات الإنسانية وتخفيض الأعمال القتالية، والتحضير لترتيبات الحكم والإعمار والتكامل الإقليمي.
مستقبل غزة معلق: الحاجة إلى حلول مستدامة
على الرغم من هذه التفاهمات، لا تزال التحديات قائمة. مستقبل غزة يعتمد بشكل كبير على إيجاد حلول مستدامة لمعضلات الأمن والسيادة والإعمار. إن تحقيق ذلك يتطلب إرادة سياسية قوية من جميع الأطراف، بالإضافة إلى تعاون دولي فعال لضمان تنفيذ الاتفاقات والوفاء بالالتزامات. الهدنة طويلة الأمد قد تكون نقطة انطلاق نحو الاستقرار، لكنها يجب أن تكون مرتبطة بخطوات ملموسة نحو حل سياسي شامل ينهي الصراع ويضمن حقوق الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. من الضروري متابعة التطورات والتركيز على الدبلوماسية والحلول التفاوضية لتجنب التصعيد وضمان مستقبل أفضل لغزة وشعبها.












