فرنسا.. مجلس الشيوخ يقر مشروع قانون الميزانية لعام 2026

في تطور سياسي بالغ الأهمية، وافق مجلس الشيوخ الفرنسي، يوم الاثنين، على مشروع ميزانية 2026، مما يفتح الباب أمام مفاوضات حاسمة بين مجلسي البرلمان. يأتي هذا القرار بعد موافقة الجمعية الوطنية (المجلس الأدنى) على الميزانية بأغلبية ضئيلة في وقت سابق من هذا الشهر، وهو ما يمثل انتصاراً لرئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو، ولكنه في الوقت ذاته يأتي بتكلفة سياسية كبيرة تهدد استقرار الحكومة الفرنسية الحالية. هذا التشريع المالي يمثل تحدياً كبيراً لحكومة الأقلية، ويضعها في موقف دقيق يتطلب مهارة سياسية عالية لتجنب المزيد من الاضطرابات.
موافقة مجلس الشيوخ وتداعياتها على ميزانية 2026
صوّت مجلس الشيوخ، الذي يغلب عليه المحافظون، لصالح مشروع القانون بأغلبية 187 صوتاً مقابل 109 أصوات معارضة، وذلك بعد إجراء تعديلات على النص الذي رفضته الجمعية الوطنية في وقت سابق. هذا التصويت يعتبر مؤشراً هاماً على مستوى الدعم السياسي الذي تحظى به ميزانية 2026، ويضع ضغوطاً على الجمعية الوطنية للموافقة على النسخة المعدلة.
إعادة الصياغة والتحديات القادمة
فشل الجمعية الوطنية في تمرير النص الأصلي الشهر الماضي، بسبب رفضها لأحكام ضريبية معينة، مما استدعى إعادة صياغة المشروع. الآن، ستعقد لجنة مشتركة تضم سبعة مشرعين من كلا المجلسين اجتماعاً يوم الجمعة لوضع نسخة نهائية من مشروع القانون، والتي سيتم طرحها للتصويت في الجمعية الوطنية في 23 ديسمبر. النجاح في هذه المرحلة أمر بالغ الأهمية، حيث أن عدم الاتفاق قد يدفع الحكومة إلى اللجوء إلى إجراءات طارئة مؤقتة.
سيناريوهات بديلة: التشريع الطارئ وتأثيره على الاقتصاد الفرنسي
في حال عدم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن ميزانية 2026، قد تضطر الحكومة الفرنسية إلى تقديم تشريع طارئ مؤقت. هذا الإجراء سيسمح لها بمواصلة الإنفاق وجمع الضرائب والاقتراض بشكل مؤقت، حتى يتم إقرار ميزانية كاملة. ومع ذلك، يعتبر هذا السيناريو غير مثالي، لأنه يخلق حالة من عدم اليقين وقد يؤثر سلباً على الثقة في الاقتصاد الفرنسي.
تطمح حكومة لوكورنو إلى خفض عجز الميزانية إلى أقل من 5% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المقبل، مقارنة بـ 5.4% في العام الحالي، وهي أعلى نسبة في منطقة اليورو. تحقيق هذا الهدف يتطلب إجراءات تقشفية، وهو ما يثير قلقاً واسعاً في أوساط المعارضة والجمهور. الضغط على خفض العجز يمثل تحدياً كبيراً، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة.
صراع سياسي حاد حول الميزانية الفرنسية
تواجه حكومة لوكورنو، التي تفتقر إلى أغلبية مريحة في البرلمان، صعوبات جمة في تمرير قوانينها. وقد أدت معارك الميزانية بالفعل إلى الإطاحة بثلاث حكومات منذ أن خسر الرئيس إيمانويل ماكرون أغلبيته في الانتخابات التشريعية المبكرة لعام 2024. هذا الوضع يعكس حالة الانقسام السياسي الحاد في فرنسا، ويجعل من الصعب على الحكومة تنفيذ برنامجها الإصلاحي.
تنازلات مكلفة وتداعياتها على التحالفات الحكومية
سعى لوكورنو إلى الحصول على موافقة البرلمان على موازنة الدولة قبل نهاية العام، لكن تنازلاته المكلفة لكسب دعم الاشتراكيين أدت إلى إبعاد حلفائه من تيار الوسط والمحافظين. هذه التنازلات أثارت غضب العديد من الأطراف، ووضعت لوكورنو في موقف سياسي ضعيف.
لقد نجحت مقامرة لوكورنو في كسب دعم الاشتراكيين، ولكن فقط من خلال الموافقة على تجميد إصلاحات التقاعد التي أطلقها الرئيس ماكرون في عام 2023، إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2027. هذا التجميد يمثل تراجعاً عن أحد أهم وعود الرئيس ماكرون، وقد يؤدي إلى استياء في صفوف أنصاره.
الضمان الاجتماعي والموازنة العامة: علاقة متشابكة
لا يمكن الحديث عن الميزانية الفرنسية دون التطرق إلى ميزانية الضمان الاجتماعي، التي تم تمريرها أيضاً بأغلبية ضئيلة. هذا النجاح، على الرغم من التكلفة السياسية الباهظة، يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار المالي. ومع ذلك، فإن العلاقة بين الميزانية العامة وميزانية الضمان الاجتماعي معقدة ومتشابكة، وأي تغيير في إحداهما قد يؤثر على الأخرى.
مستقبل الإصلاحات الاقتصادية في فرنسا
إن نجاح أو فشل حكومة لوكورنو في تمرير ميزانية 2026 سيكون له تأثير كبير على مستقبل الإصلاحات الاقتصادية في فرنسا. إذا تمكنت الحكومة من الحصول على موافقة البرلمان، فستتمكن من المضي قدماً في برنامجها الإصلاحي، والذي يهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي وخفض الدين العام. أما إذا فشلت الحكومة في ذلك، فقد تواجه صعوبات جمة في تنفيذ أي إصلاحات جديدة، وقد تضطر إلى الاستقالة.
في الختام، يمثل تمرير مشروع ميزانية 2026 في مجلس الشيوخ الفرنسي خطوة مهمة، ولكنه ليس نهاية المطاف. المفاوضات القادمة مع الجمعية الوطنية ستكون حاسمة، وقد تحدد مستقبل الحكومة الفرنسية والاقتصاد الفرنسي. من الضروري متابعة هذه التطورات عن كثب، وفهم التحديات والفرص التي تواجه فرنسا في هذه المرحلة الدقيقة. يمكن للقراء متابعة آخر الأخبار حول هذا الموضوع من خلال زيارة المواقع الإخبارية الفرنسية الموثوقة، والمشاركة في النقاشات حول مستقبل الاقتصاد الفرنسي.












