اخبار الاقتصاد

حاكم المركزي لـ”الشرق”: سوريا “النمر” القادم للاقتصادات الناشئة

أبدى عبد القادر الحصرية، حاكم مصرف سورية المركزي، تفاؤلاً حذراً بشأن مستقبل الاقتصاد السوري، متوقعاً نمواً ملحوظاً في العام المقبل، وصولاً إلى نمو مكون من رقمين. وتطرق الحصرية في مقابلة مطولة مع “الشرق” إلى رؤية طموحة لتحويل سوريا إلى “النمر القادم بين الاقتصادات الناشئة” خلال العقد القادم، مؤكداً أن الأسس الأولية لهذا التحول قد وُضعت بالفعل.

السنة التحضيرية والاستقرار الاقتصادي

وصف الحصرية العام الحالي بأنه “سنة تحضيرية” ركزت بشكل أساسي على تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وهو ما اعترف به صندوق النقد الدولي بعد زيارته الميدانية وانخراطه مع المصرف المركزي. هذا الاستقرار يمثل نقطة انطلاق حيوية نحو التعافي والنمو المستدام، ويضع سوريا على المسار الصحيح نحو استعادة دورها الاقتصادي الإقليمي.

عوامل نهضة الاقتصاد السوري المتوقعة

أشار الحصرية إلى مجموعة من العوامل التي ستدعم التعافي الاقتصادي بقوة في العام المقبل، متجاوزةً حتى توقعات صندوق النقد الدولي. من أبرز هذه العوامل عودة ما يقارب مليون لاجئ سوري إلى البلاد، مما سيعزز القوة العاملة ويساهم في زيادة الطلب المحلي. بالإضافة إلى ذلك، تشهد العديد من القطاعات الحيوية، مثل التصنيع والنقل والإنتاج والسياحة، تحسناً ملحوظاً، مدعومةً بتدفقات قوية متوقعة ومشاريع بناء وإسكان ضخمة.

دور صندوق النقد الدولي في دعم الاقتصاد

أوصى صندوق النقد الدولي بتوسيع الحيز المالي في موازنة سوريا لعام 2026، بهدف تلبية الاحتياجات الأساسية ودعم الفئات الأكثر هشاشة. كما شدد على أهمية أن تستند الموازنة إلى افتراضات طموحة ولكن واقعية فيما يتعلق بالإيرادات والتمويل، مما يعكس التزام الصندوق بدعم جهود الإصلاح الاقتصادي في سوريا.

إلغاء قانون قيصر: نقطة تحول حاسمة

يُعد إلغاء قانون قيصر من أهم التطورات التي ستساهم في تسريع وتيرة التعافي الاقتصادي السوري. يتوقع الحصرية أن يؤدي إلغاء هذا القانون إلى قفزة نوعية في الاستثمار والنقل، وزيادة مساهمة القطاع المالي في الناتج المحلي الإجمالي. وفيما يتعلق بالنقل، لفت إلى أن شركة الطيران العربية السورية تعقد اتفاقيات جديدة، وأن حركة المسافرين ستشهد عودة قوية، بالإضافة إلى مشاريع طيران مدني قيد الترتيب.

وقد أقر مجلس النواب الأميركي بالفعل إلغاء العقوبات التي فرضت على سوريا بموجب قانون “قيصر”، ما يمهد لإغلاق هذا الملف بشكل نهائي، ويفتح الباب أمام المؤسسات المالية والدولية للتعامل مع دمشق.

القطاع المالي: المستفيد الأول من رفع العقوبات

أكد الحصرية أن القطاع المالي سيكون المستفيد الأول من رفع العقوبات، وخاصة إلغاء قانون قيصر، الذي تسبب في عزلة القطاع عن العالم لفترة طويلة وأدى إلى مشاكل بنيوية. مع عودة النظام المالي السوري إلى نظام “سويفت” العالمي، وبدء بعض المصارف العالمية في التعامل مع سوريا، تتوقع الحكومة تدفقاً للاستثمارات وتحسناً في الأداء المالي.

فتح قنوات مالية جديدة وتدفق الاستثمارات

كشف الحصرية عن فتح حسابات لمصرف سورية المركزي في البنك المركزي الكندي والإماراتي، والعمل جارٍ على فتح حساب لدى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. هذه الخطوات تهدف إلى توفير قنوات لاستقبال التدفقات والاستثمارات المتوقعة من مختلف دول العالم، والتي لن تتحقق إلا بوجود قطاع مالي فاعل ونشط وقادر على استعادة ثقة المجتمع الدولي.

أشار الحصرية إلى أن الاستثمارات التي تستقبلها سوريا هي استثمارات طويلة الأجل، وتمر بمراحل متعددة قبل التنفيذ الفعلي. وقد تم توقيع العديد من مذكرات التفاهم لاستثمارات في قطاعات حيوية مثل المرافق والطاقة والنقل والإسكان والسياحة، مما يعزز الآمال في تحول هذه المذكرات إلى مشاريع حقيقية على أرض الواقع.

التعاون الإقليمي وتطوير قطاع الطاقة

أشاد الحصرية بالدور الذي لعبته السعودية وقطر والإمارات وتركيا في دعم رفع العقوبات عن سوريا، مشيراً إلى أن السعودية وقطر ساعدتا بشكل خاص في دفع مستحقات لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وأكد أن السعودية تتعامل مع سوريا كشريك، وأن الدعم السعودي مهم جداً، لافتاً إلى مشاركة 4 شركات سعودية كبرى في مشاريع للطاقة في سوريا. كما تستعين سوريا بشركة “أكوا باور” السعودية لوضع خطة تطوير قطاع الطاقة حتى عام 2040.

السيطرة على التضخم وإطلاق العملة الجديدة

فيما يتعلق بملف التضخم، أكد الحصرية وجود تقديرات أولية تشير إلى تراجعه من 170% إلى نحو 15%، نتيجة لفتح باب الاستيراد وخفض الرسوم الجمركية وتحسن سعر الصرف بنسبة 30%. كما أشار إلى استيراد سيارات بقيمة تناهز 5 مليارات دولار خلال العام المنتهي، مما يعكس توافر التدفقات الأجنبية والدولار في الداخل.

وفيما يتعلق بالعملة الجديدة، كشف الحصرية أن المشروع في مراحله النهائية وسيتم طرحه “قريباً”، مؤكداً على الشفافية والمهنية في هذا الإجراء، وأن التفاصيل المتعلقة بموعد الإصدار والفئات ومدة الاستبدال وشروطه سيتم الإعلان عنها بشكل واضح.

استراتيجية المصرف المركزي والتحديات المستقبلية

أكد الحصرية أن المصرف المركزي يركز على تطبيق “الانضباط المالي”، ووقف تمويل العجز عبر طباعة النقود. ويعتمد المصرف على استراتيجية ترتكز على أربع محاور رئيسية: السياسة النقدية، القطاع المالي، نظام المدفوعات، والاندماج في النظام المالي العالمي، مع تنفيذ 65 مشروعاً للوصول إلى مصرف يعمل وفق المعايير الدولية.

كما يمتلك المصرف المركزي استراتيجية خاصة بالقطاع المصرفي، تهدف إلى إعادة تأهيل المصارف وترخيص مصارف جديدة بهدف بلوغ ما بين 30 و35 مصرفاً بحلول عام 2030. وفيما يتعلق بالتحديات، أشار الحصرية إلى التعامل مع ملفات معقدة مثل الانكشاف البنكي على لبنان، واستعادة أكثر من 50% من ودائع القطاع الخاص التي كان النظام السابق قد تصرّف فيها، والعمل على تفعيل استخدام الودائع الموجودة في الخارج بعد رفع العقوبات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى