دراسة: أدوية GLP‑1 قد تسبب سعالاً مزمناً لمرضى السكري

في السنوات الأخيرة، شهدت أدوية السكري من النوع الثاني تطورات كبيرة، خاصة مع ظهور فئة جديدة من الأدوية تعتمد على هرمون GLP-1. هذه الأدوية، التي أثبتت فعاليتها في التحكم بمستويات السكر في الدم والمساعدة في فقدان الوزن، قد تكون مرتبطة بآثار جانبية غير متوقعة. دراسة حديثة أظهرت أن المصابين بـ السكري من النوع الثاني الذين يستخدمون أدوية تحاكي عمل هرمون GLP-1 قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بالسعال المزمن مقارنة بأولئك الذين يتناولون أدوية سكري أخرى. هذا الاكتشاف يثير تساؤلات مهمة حول سلامة هذه الأدوية ويستدعي مزيدًا من البحث والفهم.
ما هي أدوية GLP-1 وكيف تعمل؟
أدوية GLP-1 (الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1) تعمل عن طريق محاكاة تأثيرات هرمون GLP-1 الطبيعي في الجسم. هذا الهرمون يفرز من الأمعاء بعد تناول الطعام ويلعب دورًا حيويًا في تنظيم مستويات السكر في الدم. تعمل هذه الأدوية على عدة مستويات:
- زيادة إفراز الإنسولين: عندما ترتفع مستويات السكر في الدم، تحفز أدوية GLP-1 البنكرياس على إفراز المزيد من الإنسولين، مما يساعد على خفض السكر.
- إبطاء إفراغ المعدة: هذا التأثير يساهم في الشعور بالشبع لفترة أطول، مما يقلل من كمية الطعام المتناولة.
- خفض الشهية: تعمل أدوية GLP-1 على التأثير في مراكز الشهية في الدماغ، مما يقلل من الرغبة في تناول الطعام.
من بين الأدوية الشائعة التي تعتمد على GLP-1، نجد سيماجلوتايد، وهو المكون الرئيسي في عقاقير مثل أوزمبيك، والتي اكتسبت شعبية كبيرة في علاج السكري والسمنة.
الدراسة الجديدة وعلاقة GLP-1 بالسعال المزمن
نشرت دورية الجمعية الطبية الأميركية لطب الأنف والأذن والحنجرة نتائج دراسة واسعة النطاق أجريت على بيانات أكثر من 2 مليون شخص مصاب بـ السكري من النوع الثاني في الولايات المتحدة. أظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين يتناولون أدوية تعتمد على GLP-1 لديهم خطر أعلى بنسبة 12% للإصابة بسعال يستمر لأكثر من شهرين، وذلك خلال 5 سنوات من بدء العلاج.
هذه النسبة، على الرغم من أنها ليست كبيرة جدًا، تعتبر ذات دلالة إحصائية وتستدعي الانتباه. الأمر المثير للاهتمام هو أن هذه العلاقة كانت موجودة حتى في المرضى الذين لا يعانون من أعراض ارتجاع المريء، وهو عامل خطر معروف يسبب السعال.
لماذا قد تسبب أدوية GLP-1 السعال؟
يعتقد الباحثون أن العلاقة بين أدوية GLP-1 والسعال قد تكون مرتبطة بآلية عمل هذه الأدوية. بما أن هذه الأدوية تبطئ عملية الهضم، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة ارتجاع المريء، وبالتالي تهيج الحلق والرئتين، مما يسبب السعال. ومع ذلك، فإن ظهور السعال حتى في غياب ارتجاع المريء يشير إلى أن هناك آليات أخرى قد تكون متورطة. قد يكون هناك تأثير مباشر للدواء على الجهاز التنفسي، أو قد يؤثر على الاستجابة المناعية في الرئتين.
توصيات الأطباء والمرضى
بناءً على نتائج هذه الدراسة، يوصي الباحثون الأطباء بأخذ هذا الارتباط المحتمل في الاعتبار عند تشخيص حالات السعال المزمن، خاصة لدى المرضى الذين يتناولون أدوية GLP-1. يجب على الأطباء الاستفسار عن استخدام هذه الأدوية كجزء من التاريخ الطبي للمريض، والنظر في إمكانية أن يكون الدواء هو السبب في السعال.
الدكتورة أنكا باربو، الباحثة في مركز سيدارز سيناي الطبي في لوس أنجلوس، تؤكد على أهمية هذا الأمر، قائلة: “نوصي الأطباء الذين يوقعون الكشف على مرضى يعانون من السعال المزمن بأن يكونوا على دراية بهذه العلاقة المكتشفة حديثاً بين أدوية GLP‑1 والسعال، وبالتالي سؤال المرضى عن استخدام هذه الأدوية.”
بالنسبة للمرضى الذين يتناولون أدوية GLP-1 ويعانون من السعال المستمر، يجب عليهم التحدث إلى طبيبهم. قد يكون من الضروري تعديل الجرعة، أو تغيير الدواء، أو إجراء فحوصات إضافية لتحديد سبب السعال. لا ينبغي التوقف عن تناول الدواء دون استشارة الطبيب، حيث أن التوقف المفاجئ قد يؤدي إلى تفاقم حالة السكري من النوع الثاني.
أدوية GLP-1 والسمنة: منظور أوسع
من الجدير بالذكر أن منظمة الصحة العالمية قد أصدرت مؤخرًا إرشاداتها الأولى بشأن استخدام أدوية GLP-1 لعلاج السمنة. هذا يعكس الاعتراف المتزايد بفعالية هذه الأدوية في إنقاص الوزن. ومع ذلك، يجب أن يتم استخدام هذه الأدوية تحت إشراف طبي دقيق، مع مراعاة جميع الآثار الجانبية المحتملة، بما في ذلك السعال المزمن الذي تم تسليط الضوء عليه في الدراسة الأخيرة. فهم المخاطر والفوائد المحتملة أمر بالغ الأهمية لاتخاذ قرارات علاجية مستنيرة.
في الختام، على الرغم من الفوائد الكبيرة التي تقدمها أدوية GLP-1 في علاج السكري من النوع الثاني والسمنة، إلا أن الدراسة الجديدة تذكرنا بأهمية اليقظة ومراقبة الآثار الجانبية المحتملة. يجب على الأطباء والمرضى العمل معًا لضمان استخدام هذه الأدوية بأمان وفعالية. المزيد من الأبحاث ضروري لفهم الآليات الدقيقة التي تربط بين أدوية GLP-1 والسعال المزمن، وتحديد العوامل التي قد تزيد من خطر الإصابة بهذا التأثير الجانبي.












