اخبار الاقتصاد

“ميتا” تخذل الأطفال وكذلك يفعل المشرعون

لطالما كان تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال موضوع نقاش حاد، لكن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن هذه المنصات قد تكون أكثر ضرراً مما كنا نعتقد. فهل استغلت شركات التواصل الاجتماعي الأطفال لتحقيق مكاسبها، متجاهلةً الآثار النفسية والاجتماعية المدمرة؟ هذا ما يحاول العديد من الخبراء والمشرعين إثباته، مع كشف تفاصيل مقلقة عن ممارسات هذه الشركات. تتعمق هذه المقالة في المخاوف المتزايدة حول وسائل التواصل الاجتماعي والأطفال، وتستكشف الدعاوى القضائية الأخيرة، والتدخلات التنظيمية المحتملة، ودور السياسيين، والأهم من ذلك، ما يمكن للآباء فعله لحماية أطفالهم.

الدعاوى القضائية تكشف ممارسات مقلقة

في أواخر نوفمبر، كشفت ملفات قضائية عن تفاصيل صادمة حول كيفية تعامل شركات التواصل الاجتماعي مع المحتوى الضار الذي يستهدف الأطفال. على سبيل المثال، كُشف أن شركة “ميتا” كانت تتطلب أكثر من 17 محاولة اتجار بالبشر قبل الإبلاغ عن أي حساب، وهو ما أثار غضبًا واسعًا. هذه الدعوى القضائية، التي رفعها أكثر من 1800 من أولياء الأمور والمناطق التعليمية والمعلمين والولايات والمدعين العامين، تزعم أن الشركات الأم لـ “إنستغرام” و”تيك توك” و”سناب تشات” و”يوتيوب” اتبعت “استراتيجية نمو بأي ثمن”، متجاهلةً بتهور تأثير منتجاتها على الصحة النفسية والجسدية للأطفال.

هل الجهات التشريعية والتنظيمية قادرة على حماية الأطفال؟

على الرغم من هذه المخاوف المتزايدة، فإن التدخل التنظيمي الفعلي لا يزال محدودًا. فقد أقرت عدد قليل من الولايات قوانين تفرض حدودًا عمرية أو تتطلب موافقة الوالدين، لكن العديد من هذه القوانين معلقة بسبب الطعون القضائية التي قدمتها شركات التكنولوجيا. ومع ذلك، هناك زخم متزايد في الكونغرس لمعالجة هذه القضية. عقدت لجنة الطاقة والتجارة في مجلس النواب مؤخرًا جلسة استماع حول الحلول التشريعية المحتملة، حيث أشار جميع الشهود والعديد من أعضاء المجلس إلى الأضرار التي تلحقها بيئة الإنترنت الحالية بالأطفال. هناك تشريع مشترك يدعمه الحزبان في الكونغرس يهدف إلى منح الآباء مزيدًا من السيطرة، وفرض حدود عمرية، وحماية بيانات القاصرين.

لماذا التأخير في الإقرار بالقوانين؟

أحد الأسباب المحتملة لتردد الكونغرس هو العلاقة الوثيقة بين السياسيين وشركات التكنولوجيا. فقد استخدم العديد من السياسيين، بمن فيهم باراك أوباما ودونالد ترامب وإيلون ماسك، وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لأنفسهم، وأصبحوا يعتمدون عليها في التواصل مع الناخبين. بالإضافة إلى ذلك، تساهم شركات التواصل الاجتماعي بشكل كبير في النمو الاقتصادي الأمريكي من خلال استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، مما يجعل من الصعب على السياسيين اتخاذ إجراءات قد تضر بالاقتصاد. تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على السياسة أصبح واضحًا، مما يثير تساؤلات حول مدى استقلالية المشرعين في معالجة هذه القضية.

الضغط السياسي والإنفاق على جماعات الضغط

لم تكتفِ شركات التكنولوجيا بالاعتماد على علاقاتها مع السياسيين، بل انخرطت أيضًا في جهود ضغط هائلة في واشنطن. في العام الماضي، أنفقت هذه الشركات مبلغًا قياسيًا قدره 86 مليون دولار على جماعات الضغط، بزيادة قدرها 25٪ عن عام 2023. شركة “ميتا” كانت أكبر منفقة، مما يشير إلى أنها تدرك تمامًا المخاطر التي تواجهها. هذا الإنفاق الكبير يثير تساؤلات حول مدى قدرة المشرعين على مقاومة ضغوط هذه الشركات واتخاذ قرارات تخدم مصلحة الأطفال.

دور الآباء والمجتمع

لا يمكننا أن نلقي باللوم على شركات التكنولوجيا والسياسيين وحدهم. فالعديد من الآباء والأمهات يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي لإبقاء أطفالهم مشغولين، أو للحصول على بعض الهدوء والسكينة. لكن هذه الراحة تأتي بثمن باهظ. تشير الدراسات إلى أن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي يرتبط بزيادة معدلات القلق والاكتئاب، وانخفاض القدرة على التركيز، والتعرض لمحتوى عنيف وصريح، والتحرش من قبل بالغين مفترسين.

بالتأكيد، هناك خطوات يمكن للآباء اتخاذها لحماية أطفالهم، مثل منع استخدام الهواتف في غرفة النوم، ووضع حدود زمنية للشاشة، وتشجيع الأنشطة العائلية. لكن هذه الإجراءات ليست كافية. نحن بحاجة إلى حلول شاملة تتضمن تدخلًا تنظيميًا قويًا، وتعليمًا أفضل حول مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي، وتغييرًا في الثقافة التي تشجع على الاستخدام المفرط لهذه المنصات.

هل حماية الأطفال أولوية؟

الأطفال هم الفئة الأكثر ضعفاً في هذا الصراع، ولا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم. إنهم يستحقون طفولة آمنة وصحية، خالية من الضغوط والمخاطر التي تفرضها وسائل التواصل الاجتماعي. حان الوقت لوضع مصالحهم أولاً، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايتهم. صحة الأطفال النفسية يجب أن تكون على رأس أولوياتنا، ولا يمكننا أن نتجاهل الأدلة المتزايدة التي تشير إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تشكل تهديدًا خطيرًا لها.

نحن بحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية لمعالجة هذه القضية، وإلى قوانين قوية تحمي الأطفال من الاستغلال والإيذاء. لا يمكننا أن ننتظر حتى تحدث المزيد من المآسي قبل أن نتخذ إجراءً. مستقبل أطفالنا على المحك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى