اخبار التقنية

أستراليا.. مراهقون يتحايلون على حظر استخدام منصات التواصل الاجتماعي

أستراليا تُطبّق حظرًا تاريخيًا على وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال: هل ينجح في حماية القُصّر؟

شهدت أستراليا، يوم الأربعاء، تطورًا تاريخيًا في تنظيم استخدام الإنترنت، حيث دخل حيز التنفيذ قانون يحظر على الأطفال والمراهقين دون سن السادسة عشرة استخدام منصات التواصل الاجتماعي. يهدف هذا القانون، الأول من نوعه عالميًا، إلى حماية هذه الفئة العمرية من المخاطر المتزايدة المرتبطة بهذه المنصات، بدءًا من التنمر الإلكتروني وصولًا إلى المحتوى الضار. ويُلزم القانون شركات التكنولوجيا الكبرى باتخاذ إجراءات فعالة لحذف أو تجميد حسابات القُصّر، مع فرض غرامات مالية كبيرة على المخالفين.

القانون الجديد: تفاصيل وآليات التطبيق

يُعد هذا القانون خطوة جريئة من الحكومة الأسترالية، حيث يضع مسؤولية حماية الأطفال على عاتق شركات التكنولوجيا نفسها. تحت طائلة القانون، قد تواجه الشركات غرامات تصل إلى 7.8 مليون دولار أسترالي أو 5% من إيراداتها العالمية السنوية، أيهما أعلى، إذا لم تثبت أنها اتخذت “خطوات معقولة” لمنع القُصّر من امتلاك حسابات.

لا يقتصر الأمر على الحظر المطلق، بل يتبنى القانون نهجًا تدريجيًا للتحقق من الأعمار. فبدلًا من الاعتماد على تاريخ الميلاد الذي يدخله المستخدم، يُلزم القانون المنصات ببدء استخدام وسائل أقل تدخلاً، ثم الانتقال إلى وسائل أكثر موثوقية إذا ظهرت شكوك حول عمر المستخدم. يشمل ذلك استخدام تقنيات التحقق من الهوية، وتحليل سلوك المستخدم، وحتى فحص البيانات التقنية للجهاز.

الشركات تتفاعل: حلول التحقق من العمر

بدأت شركات التكنولوجيا الكبرى بالفعل في تطبيق آليات التحقق من العمر المختلفة. “ميتا” (الشركة الأم لفيسبوك وإنستجرام) تعتمد على شركة Yoti التابعة لجهة خارجية، حيث يُطلب من المستخدمين الذين يشتبه في أنهم دون 16 عامًا إما رفع صورة لهوية حكومية أو تقديم مقطع فيديو سيلفي يتم تحليله للتحقق من العمر.

أما سناب شات فتستخدم أنظمة مثل ConnectID، التي تربط الهوية بحساب بنكي موثوق، بالإضافة إلى خدمة k-ID التي تجمع بين مسح وثائق الهوية والتقدير العمري بناءً على صورة الوجه. تيك توك، من جهته، يعتمد على مزيج من وثائق الهوية وصور السيلفي للتحقق من أعمار المستخدمين الراغبين في فتح خاصية البث المباشر. وتُكمل هذه الأدوات مجموعة أخرى من المؤشرات، مثل سلوك الحساب وأنماط الاستخدام.

تحديات مبكرة: التحايل على الحظر والإعلانات المضللة

على الرغم من أهمية القانون، إلا أن تطبيقه لم يكن خاليًا من التحديات. فقد أعلن عدد من المراهقين عن استمرارهم في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، فيما انتشرت مواد رقمية تستهدفهم بإعلانات وإرشادات حول كيفية التحايل على الحظر باستخدام خدمات الشبكة الافتراضية الخاصة (VPN).

أفاد موقع Crikey الأسترالي بأن أطفالًا ومراهقين يتعرضون لإعلانات على منصات مثل يوتيوب وتيك توك تروج لاستخدام VPN كوسيلة لتجاوز الحظر الجديد. كما انتشر محتوى يشرح خطوات “استخدام VPN لتفادي قيود السن” على هذه المنصات. لا يقتصر استهداف هذه المواد على المراهقين الذين يسعون للتحايل على الحظر، بل يشمل أيضًا البالغين الذين يرفضون فكرة تقديم وثائق رسمية لإثبات هويتهم أو أعمارهم.

مخاوف من دفع القُصّر إلى “الجانب المظلم” من الإنترنت

أثارت هذه التطورات مخاوف لدى خبراء سياسات رقمية ومنظمات مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف). يرى هؤلاء أن الحظر الصارم قد يدفع المراهقين إلى منصات أقل تنظيمًا ورقابة، أو إلى أجزاء من الإنترنت لا تخضع للأطر التنظيمية الواضحة، مما قد يزيد المخاطر بدلًا من الحد منها.

وقد بدأ أحد المراهقين الأستراليين بالفعل في طعن قانوني ضد الحظر، بحجة أنه قد يجعل الإنترنت “أقل أمانًا” للقُصّر، لأنهم سيتجهون إلى استخدام حسابات وهمية أو خدمات غير معروفة أو أدوات تقنية معقدة مثل VPN، دون إشراف كافٍ من الأهل أو السلطات.

ردود الفعل السياسية ومستقبل القانون

اعترف رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي بأن تطبيق الحظر سيكون “متعرجًا” في الأيام الأولى، موضحًا أنه “لا يمكن في يوم واحد إيقاف أكثر من مليون حساب دفعة واحدة على جميع المنصات”. إلا أنه شدد على أن هذا المسار التشريعي يهدف في نهاية المطاف إلى حماية الأرواح وتقليل الأضرار النفسية والاجتماعية المرتبطة بالاستخدام المفرط أو المؤذي لوسائل التواصل الاجتماعي بين القُصّر.

على الرغم من أن القانون دخل حيز التنفيذ، إلا أن منصات مثل تيك توك لا تزال تستقبل تعليقات من مستخدمين يقولون إنهم دون 16 عامًا وأنهم “ما زالوا هنا”. هذه الرسائل تسلط الضوء على فجوة واضحة بين النية التشريعية والواقع العملي.

هل المنع هو الحل؟

يثير هذا القانون تساؤلات مهمة حول ما إذا كانت سياسة المنع الشامل هي الأداة الأنسب لحماية المراهقين. يرى البعض أن الحل يكمن في مزيج أكثر توازناً يضم تشريعات أذكى، وتصميماً رقمياً أكثر مسؤولية، وتعليمًا رقميًا أوسع، وحوارًا حقيقيًا مع المراهقين أنفسهم حول شكل الإنترنت الذي يحتاجون إليه. ففي عالم أصبح فيه الاتصال الرقمي جزءًا لا ينفصل عن الحياة اليومية، قد يكون من الضروري التركيز على تعليم القُصّر كيفية استخدام الإنترنت بأمان ومسؤولية بدلًا من حرمانهم منه بشكل كامل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى