اخبار التقنية

لماذا سمح ترمب لـ”إنفيديا” ببيع رقائق متطورة للصين؟ الجواب عند “هواوي”

قرر الرئيس الأميركي دونالد ترمب مؤخراً السماح لشركة “إنفيديا” (NVIDIA) ببيع شرائح الذكاء الاصطناعي H200 إلى الصين، في خطوة تثير الجدل وتأتي في ظل سباق محموم نحو الهيمنة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. هذا القرار، الذي يهدف إلى تحقيق توازن بين المصالح التجارية والأمن القومي، يعكس تقييماً دقيقاً لقدرات المنافس الصيني، خاصة شركة “هواوي تكنولوجيز” (Huawei Technologies)، وتأثيره على مستقبل هذه الصناعة الحيوية.

قرار ترمب ببيع شرائح H200 إلى الصين: دوافع وخلفيات

الخطوة لم تكن مفاجئة تماماً، حيث جاءت بعد مداولات مكثفة داخل الإدارة الأميركية حول المخاطر والفوائد المحتملة. وفقاً لمصادر مطلعة، خلصت الإدارة إلى أن منع بيع هذه الشرائح بشكل كامل قد يكون له نتائج عكسية، خاصة وأن “هواوي” تتقدم بخطى سريعة في تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي منافسة. الخوف من أن يؤدي الحظر الكامل إلى إغراق السوق الصينية بمنتجات “هواوي” أو غيرها من الشركات المحلية، مما يمنحها ميزة استراتيجية، كان عاملاً رئيسياً في هذا التوجه.

تقييم القدرات الصينية: نقطة التحول

التقييم الأمني الذي أدى إلى هذا القرار ركز بشكل خاص على قدرة “هواوي” على تطوير بدائل لشرائح “إنفيديا”. أظهرت التحليلات أن منصة الذكاء الاصطناعي “كلاود ماتريكس 384” (CloudMatrix 384) من “هواوي”، والتي تعتمد على شرائح “آسيند” (Ascend) الجديدة، قادرة على منافسة نظام “إن في إل 72” (NVL72) من “إنفيديا” من حيث الأداء.

الأمر الأكثر إلحاحاً، بحسب التقييم، هو أن “هواوي” ستكون قادرة بحلول عام 2026 على إنتاج عدة ملايين من معالجات “آسيند 910 سي” (Ascend 910 C)، وهي شريحة مصممة خصيصاً لمنافسة منتجات “إنفيديا”. هذا التطور يقلل من فعالية القيود المفروضة على “إنفيديا” ويجعلها أقل جدوى في منع التقدم الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي.

شروط الصفقة وتأثيرها على السوق

لم يكن قرار ترمب ببيع شرائح الذكاء الاصطناعي H200 إلى الصين مطلقاً، بل جاء بشروط محددة. سيتم توجيه هذه الشحنات فقط إلى “عملاء معتمدين”، وستحصل شركات أميركية أخرى مثل “إنتل” (Intel) و”إيه إم دي” (AMD) أيضاً على إذن مماثل.

الهدف من هذه السياسة هو منح الولايات المتحدة تفوقاً مؤقتاً، يقدر بـ 18 شهراً، في جودة الرقائق التي يحصل عليها العملاء في كل سوق. بمعنى آخر، سيحتفظ العملاء الأميركيون بحق الوصول الحصري إلى أحدث شرائح “إنفيديا”، بينما سيحصل العملاء الصينيون على الجيل السابق (H200).

دعم منظومة التكنولوجيا الأميركية

يرى مسؤولو البيت الأبيض أن ضخ شريحة H200 في السوق الصينية سيدفع مطوري الذكاء الاصطناعي الصينيين إلى الاعتماد على التكنولوجيا الأميركية، بدلاً من البحث عن بدائل محلية. هذا من شأنه أن يعزز مكانة الشركات الأميركية في السوق الصينية ويحافظ على هيمنتها على منظومة الذكاء الاصطناعي العالمية. كما أن هذا القرار يمثل دعماً لشركة “إنفيديا”، التي كانت تعاني من خسائر كبيرة بسبب القيود التجارية.

ردود الفعل والانتقادات

لم يخلُ قرار ترمب من الانتقادات. أثار غضب بعض أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، الذين حذروا من أنه قد يزود بكين بالأدوات اللازمة لتطوير ذكاء اصطناعي من الجيل التالي. كما اعتبر البعض أن هذا القرار يمثل تنازلاً أميركياً في وجه الضغوط الصينية.

من جهة أخرى، رحبت “إنفيديا” بالقرار، الذي يعتبر انتصاراً لها في جهودها لإقناع الإدارة الأميركية بتخفيف القيود التجارية. وقد كثفت الشركة جهودها الدبلوماسية في واشنطن، مستغلة علاقة الرئيس التنفيذي جينسن هوانج الوثيقة مع الرئيس ترمب.

الموقف الصيني وتوقعات السوق

لا يزال الموقف الصيني تجاه هذا القرار غير واضح تماماً. صحيح أن الرئيس ترمب ذكر أنه أبلغ نظيره الصيني شي جين بينج بالخطوة وأن الأخير أثنى عليها، إلا أن القنوات الرسمية للحكومة الصينية لم تصدر أي موقف علني حتى الآن.

هناك تقارير تشير إلى أن السلطات في بكين قد تستعد لتقييد الوصول إلى شرائح H200 لدى بعض الشركات، حفاظاً على مسار الاكتفاء الذاتي التكنولوجي. هذا يعكس التزام الصين بتطوير صناعة أشباه الموصلات المحلية وتقليل اعتمادها على التكنولوجيا الأجنبية.

في الختام، قرار الرئيس ترمب ببيع شرائح الذكاء الاصطناعي H200 إلى الصين هو قرار معقد يتأثر بمجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك المصالح التجارية، والأمن القومي، والمنافسة التكنولوجية. سيكون من المهم مراقبة كيفية استجابة السوق الصينية لهذا القرار وتأثيره على مستقبل سباق الهيمنة على الذكاء الاصطناعي. يبقى السؤال: هل ستنجح هذه السياسة في تحقيق التوازن المطلوب، أم أنها ستؤدي إلى تفاقم التوترات بين الولايات المتحدة والصين؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى