“علي بابا”.. نافذة لفهم تباين وتيرة النمو في اقتصاد الصين

لا توجد شركة تجسد الفرص والمخاطر في نموذج النمو الحالي للاقتصاد الصيني مثل “مجموعة علي بابا القابضة”. فالنتائج الفصلية الأحدث لشركة التكنولوجيا العملاقة هي مثال نموذجي على التناقضات في الاقتصاد الصيني الذي يمضي بسرعتين متباينتين، إحداهما قوية والأخرى مضطربة في الوقت نفسه. هذه التناقضات تظهر بوضوح في أداء الشركة، حيث تشهد بعض القطاعات نمواً قوياً بينما تعاني قطاعات أخرى من خسائر فادحة، مما يعكس حالة من عدم اليقين والتحديات التي تواجهها الشركات العاملة في الصين.
نمو الخدمات السحابية والذكاء الاصطناعي في علي بابا
الأخبار الجيدة تأتي من قطاع الخدمات السحابية، حيث نمت إيرادات “علي بابا” بنسبة 34% على أساس سنوي، متجاوزةً التوقعات. ورغم أن مساهمة هذا القطاع في إجمالي المبيعات تقتصر حالياً على 16%، إلا أن هذه النسبة تشهد نمواً مستمراً. يرجع هذا النمو إلى ازدهار نموذج الذكاء الاصطناعي “كوين” (Qwen)، الذي حقق أكثر من 10 ملايين تنزيل منذ إعادة إطلاقه، ممّا يشير إلى أن استثمارات “علي بابا” في مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي بدأت في إحداث تأثير ملموس.
استثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي
تتماشى استثمارات “علي بابا” في الذكاء الاصطناعي مع الجهود الوطنية الصينية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال الحيوي. وفي ظل التوجيهات القوية من مؤسس الشركة، جاك ما، تعهدت “علي بابا” باستثمار 380 مليار يوان (53.8 مليار دولار) على مدى ثلاث سنوات في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي وتقنياته. هذا النهج أكثر جرأة بالمقارنة مع منافستها “تينسنت هولدينغز” التي خصصت استثمارات رأسمالية أقل نسبياً بقيمة 1.8 مليار دولار في الربع الماضي. هذه الاستثمارات تعكس رؤية الشركة للمستقبل ودورها في تطوير التكنولوجيا الصينية.
الاصطفاف مع الأولويات الحكومية: استراتيجية ضرورية
تعجب هذه الاستراتيجية المستثمرين، فهي تتماشى بشكل وثيق مع هدف الرئيس شي جين بينغ المتمثل في حشد الموارد وتوجيهها نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في القطاعات الاستراتيجية، خاصةً التكنولوجيا المتقدمة. لا يقتصر الأمر على التنمية الاقتصادية فحسب، بل يمتد ليشمل الأمن القومي. فالهدنة التجارية الأخيرة مع الولايات المتحدة لم تنه المنافسة، بل سلطت الضوء على أهمية الاستقلال التكنولوجي للصين، وهو ما تسعى “علي بابا” لتعزيزه. إن التزام الشركة بأولويات الحكومة ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة لضمان استمراريتها ونجاحها في بيئة تنظيمية معقدة.
المخاطر الكامنة: عوائد الاستثمار وتآكل الأرباح
على الرغم من التفاؤل بشأن الذكاء الاصطناعي، إلا أن هناك تساؤلات مشروعة حول المخاطر المرتبطة بهذه الطموحات. تشير البيانات إلى أن الأرباح التشغيلية من وحدة الخدمات السحابية ارتفعت بمقدار 132 مليون دولار فقط على أساس سنوي، وهو عائد ضعيف على الاستثمار بالنظر إلى تضاعف النفقات الرأسمالية الفصلية تقريباً لتصل إلى 4.4 مليار دولار. هذه المخاوف لا تقتصر على “علي بابا” فقط، بل تعكس تساؤلات أوسع حول جدوى تطبيقات الذكاء الاصطناعي وقدرة الشركات على تحقيق أرباح ملموسة من هذه التكنولوجيا.
المنافسة الشرسة في قطاع التوصيل
لكن “علي بابا”، شأنها في ذلك شأن الاقتصاد الصيني، لا تسير على ما يرام في جميع القطاعات. فتآكل النمو في قطاع التجارة الإلكترونية، الذي يمثل نصف إيرادات الشركة، يضغط على الأرباح. دخول “جيه دي دوت كوم” إلى قطاع توصيل الطعام في فبراير الماضي، والذي تهيمن عليه “ميتوان” و”علي بابا”، أشعل حرب أسعار شرسة. استجابت “علي بابا” باستثمار 7 مليارات دولار وإطلاق وحدة للتجارة السريعة بهدف توصيل الاحتياجات اليومية في أقل من ساعة.
خسائر فادحة في التوصيل
أسفرت هذه المنافسة عن خسائر كبيرة في قطاع التوصيل، حيث قدرت الخسائر بنحو 36 مليار يوان، ممّا أثر سلباً على وحدة التسوق الإلكتروني بشكل عام. وفي مؤتمر هاتفي مع المستثمرين، أشار المدير التنفيذي إلى تحسن الوضع، لكن الخسارة لكل طلب لا تزال مرتفعة. نتيجةً لذلك، انخفض صافي ربح الشركة بمقدار النصف ليصل إلى 2.9 مليار دولار. هذه الخسائر تعكس التحديات التي تواجهها الشركات في الحفاظ على حصتها في السوق في ظل المنافسة المتزايدة.
تحديات السيولة وتوقعات المستقبل
في ظل الاستثمارات الضخمة في الذكاء الاصطناعي والتجارة الإلكترونية، سجلت “علي بابا” تدفقات نقدية سالبة في ربعين متتاليين، وهو أمر لم يحدث منذ أكثر من 10 سنوات. كما شهدت شركات منافسة مثل “جيه دي” انخفاضاً كبيراً في أرباحها، ومن المتوقع أن تعلن “ميتوان” عن أول خسارة فصلية لها منذ ثلاث سنوات. على الرغم من إمكانية التوصل إلى اتفاق بين الشركات لإنهاء المنافسة السعرية، إلا أن الآليات التنافسية في القطاع تجعل ذلك أمراً غير مرجح. فالنتائج المالية الأخيرة لـ”علي بابا” تقدم صورة واضحة للتحديات التي تواجه الاقتصاد الصيني، الذي قد لا يكون قوياً كما يبدو.












