النفط يرتفع مع تصاعد التوترات الجيوسياسية رغم مؤشرات الفائض

شهدت أسواق النفط العالمية تداولات متقلبة خلال الأيام الأخيرة، مدفوعة بتقييمات السوق لحدة التوترات الجيوسياسية المتصاعدة من جهة، وتوقعات بتعديل أسعار النفط السعودي الخام إلى آسيا من جهة أخرى. يأتي هذا في ظل تراجع ملحوظ في الأسعار هذا العام، مع أنباء عن زيادة المعروض وتوقعات بفائض كبير في المستقبل. في هذا المقال، سنستعرض بالتفصيل العوامل المؤثرة على أسعار النفط، وتحليل أحدث التطورات في هذا الصدد.
تقلبات أسعار النفط: بين التوترات الجيوسياسية وتوقعات المعروض
ارتفعت أسعار النفط في بداية التداولات، حيث صعد خام برنت تسليم فبراير بنسبة 0.94% ليستقر عند 63.26 دولارًا للبرميل، كما حقق خام غرب تكساس الوسيط مكاسب بنسبة 1.2%، ليغلق دون حاجز الـ 60 دولاراً. هذا الارتفاع الأولي يعكس قلق المستثمرين بشأن استمرار الأزمات الجيوسياسية وتأثيرها المحتمل على الإمدادات.
ويرجع هذا القلق بشكل خاص إلى تطورات الأوضاع في أوكرانيا. ففي الوقت الذي تستعد فيه الأطراف المعنية لعقد جولة جديدة من المفاوضات في فلوريدا، أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن رفضه لبعض النقاط الأساسية في خطة السلام المدعومة من الولايات المتحدة. هذا الموقف المتصلب يشير إلى أن رفع العقوبات المفروضة على النفط الروسي لا يزال بعيد المنال، وهو ما يدعم بدوره ارتفاع أسعار النفط.
روسيا والهند: استمرار التعاون في قطاع الطاقة
أكد الرئيس بوتين أيضًا على استمرار التعاون القوي بين روسيا والهند في مجال الطاقة، مشيرًا إلى أن شركة نفط روسية تواصل توسيع عملياتها في مصفاة هندية، وأن تدفقات النفط الروسي إلى الهند تسير بسلاسة. هذه التصريحات تُظهر قدرة روسيا على إيجاد أسواق بديلة لمنتجاتها النفطية، حتى في ظل العقوبات الغربية، مما قد يحد من تأثير أي اضطرابات في الإمدادات على أسعار النفط العالمية.
التوترات في فنزويلا وتأثيرها المحتمل على سوق النفط
بالتزامن مع الأوضاع في أوكرانيا، أثار تصريح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب بشأن إمكانية قصف ما يُزعم أنها عصابات مخدرات داخل فنزويلا حالة من الترقب في الأسواق. يخشى المحللون من أن أي تدخل عسكري أمريكي في فنزويلا قد يؤدي إلى تعطيل إنتاج وتصدير النفط في هذا البلد، وهو ما قد يدفع أسعار النفط إلى الارتفاع بشكل أكبر.
ومع ذلك، يشير العديد من التقارير إلى أن هناك مؤشرات متزايدة على وجود فائض في المعروض من النفط على مستوى العالم، خاصة مع تزايد الإنتاج من الولايات المتحدة وكندا، بالإضافة إلى زيادة إنتاج تحالف أوبك+. هذا الفائض المحتمل قد يضغط على أسعار النفط ويحد من مكاسبها.
تخفيض أرامكو السعودية لأسعار خامها
في خطوة مفاجئة، قررت شركة أرامكو السعودية تخفيض سعر خامها القياسي “العربي الخفيف” إلى علاوة قدرها 60 سنتًا فوق السعر القياسي الإقليمي لشهر يناير. ويعتبر هذا التخفيض هو الأكبر منذ عام 2021، ويشير إلى أن أرامكو تتوقع انخفاضًا في الطلب على النفط في المستقبل القريب، أو أنها تحاول زيادة حصتها في السوق من خلال تقديم أسعار أكثر تنافسية.
تراجع أسعار النفط هذا العام وتوقعات مستقبلية
تراجعت أسعار النفط بنحو 17% خلال العام الحالي، وذلك بسبب عدة عوامل، بما في ذلك زيادة المعروض من النفط في أمريكا الشمالية، وتوقع وكالة الطاقة الدولية بوجود فائض قياسي في عام 2026. كما أن بنوك وول ستريت تتوقع استمرار الهبوط في أسعار النفط في المستقبل.
على الرغم من أن الأسعار المنخفضة تمثل تحديًا للمنتجين، إلا أنها توفر فوائد للمستهلكين. فقد انخفضت أسعار البنزين في الولايات المتحدة إلى أقل من 3 دولارات للغالون، وهو أدنى مستوى لها منذ أربع سنوات. وبالمثل، شهد سعر الديزل تراجعًا مستمرًا في الأسابيع الأخيرة.
وفي هذا السياق، صرح سعد رحيم، كبير الاقتصاديين في “ترافيغورا غروب”، خلال قمة “فايننشال تايمز” للسلع في آسيا، بأن المعروض من النفط كبير للغاية، بغض النظر عن حجم الطلب المتوقع. وأضاف أن المسار الأقل مقاومة لأسعار النفط هو على الأرجح الهبوط.
الخلاصة والتوقعات المستقبلية
بشكل عام، تشير التطورات الأخيرة إلى أن سوق النفط يواجه حالة من عدم اليقين، مع وجود عوامل متضاربة تؤثر على أسعار النفط. فمن ناحية، هناك توترات جيوسياسية مستمرة قد تؤدي إلى تعطيل الإمدادات ورفع الأسعار، ومن ناحية أخرى، هناك زيادة في المعروض وتوقعات بفائض كبير قد يضغط على الأسعار ويحد من مكاسبها. من المرجح أن نشهد استمرار التقلبات في أسعار النفط خلال الفترة القادمة، حيث سيستمر المستثمرون في تقييم المخاطر والفرص المتاحة في هذا السوق الحيوي. متابعة أداء أوبك+، والتطورات السياسية والاقتصادية في الدول المنتجة والمستهلكة للنفط، ستكون ضرورية لفهم ديناميكيات السوق وتوقع الاتجاهات المستقبلية.












