بينها الإمارات.. واشنطن تسعى لاتفاقات دولية لتأمين سلاسل توريد الذكاء الاصطناعي

تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز أمنها القومي والاقتصادي من خلال مبادرة جديدة تهدف إلى بناء سلاسل توريد قوية للرقائق الإلكترونية والمعادن الحيوية، وهي مكونات أساسية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. تأتي هذه الخطوة في ظل تزايد المنافسة مع الصين ورغبة واشنطن في تقليل الاعتماد على بكين في المجالات التكنولوجية الحساسة. وبحسب مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية، فإن هذه الجهود ستتضمن التعاون مع ثماني دول حليفة رئيسية.
جهود أمريكية حليفة لتعزيز سلاسل التوريد
أعلن جايكوب هيلبرغ، وكيل وزارة الخارجية للشؤون الاقتصادية، عن بدء هذه المبادرة باجتماع مرتقب في البيت الأبيض في 12 ديسمبر. سيشارك في الاجتماع ممثلون من اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وهولندا والمملكة المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة وأستراليا. ويأتي هذا الاجتماع في سياق الجهود المستمرة التي بدأت خلال إدارة الرئيس دونالد ترمب، والتي تهدف إلى تنويع مصادر الإمداد وتقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد على دولة واحدة.
مجالات التعاون الرئيسية
ستركز القمة على تطوير اتفاقات في عدة مجالات حيوية، تشمل: الطاقة، والمعادن الحيوية، والتصنيع المتقدم للرقائق الإلكترونية، والبنية التحتية اللازمة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تحسين لوجستيات النقل المتعلقة بهذه المواد. ويهدف هذا التعاون إلى ضمان وصول مستمر وموثوق إلى الموارد والتكنولوجيا اللازمة للابتكار والنمو في هذه القطاعات.
وأشار هيلبرغ إلى أن اختيار هذه الدول لم يكن عشوائياً، بل يعتمد على دورها الاستراتيجي في صناعة أشباه الموصلات أو امتلاكها موارد مهمة من المعادن الحيوية. وبينما تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على علاقات إيجابية مع الصين، فإنها تشدد على أهمية الاستعداد للمنافسة وضمان قدرة شركاتها على تطوير تقنيات متطورة دون التعرض لضغوط أو قيود غير ضرورية.
أهمية المعادن الحيوية في سباق الذكاء الاصطناعي
تعد المعادن الحيوية، مثل الليثيوم والكوبالت والعناصر الأرضية النادرة، ضرورية لإنتاج مجموعة واسعة من التقنيات المتقدمة، بما في ذلك البطاريات والرقائق الإلكترونية والمغناطيسات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي. وقد أطلقت الإدارات الأمريكية المتعاقبة مبادرات مختلفة لتأمين سلاسل التوريد لهذه المعادن، بهدف تقليل الاعتماد على الصين التي تسيطر على جزء كبير من هذا السوق.
في عام 2018، أطلقت وزارة الخارجية في عهد ترمب مبادرة حوكمة موارد الطاقة الأمريكية بهدف تحديد مصادر بديلة للمعادن الحيوية. لاحقاً، أطلقت إدارة جو بايدن شراكة أمن المعادن التي تركز على جذب الاستثمارات والخبرات الغربية لقطاعات التعدين في الدول النامية. ومع ذلك، يواجه الغرب تحديات كبيرة في كسر الهيمنة الصينية على إنتاج وتكرير هذه المعادن.
فحسبما ذكرت وكالة الطاقة الدولية، تمتلك الصين أكثر من 90% من القدرة العالمية على تكرير العناصر الأرضية النادرة وإنتاج المغناطيسات الدائمة، بينما لا تمتلك ماليزيا سوى 4% فقط، وهي الدولة التي تحتل المرتبة الثانية. وقد أثارت القيود التي فرضتها الصين مؤخراً على صادرات هذه المعادن مخاوف بشأن إمكانية استخدامها كأداة ضغط سياسي أو اقتصادي.
التركيز على الدول المنتجة واستراتيجية “أولاً أمريكا”
تتميز مبادرة هيلبرغ الحالية بتركيزها على الدول المنتجة للمعادن الحيوية، على عكس مبادرة إدارة بايدن التي شملت مجموعة أوسع من الدول. علاوة على ذلك، تركز الخطة الجديدة على جميع جوانب التكنولوجيا المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وليس فقط على طبقة واحدة، مثل العناصر الأرضية النادرة. يعكس هذا التحول إدراكاً متزايداً لأهمية بناء سلاسل توريد مرنة وشاملة لضمان القدرة التنافسية في مجال الذكاء الاصطناعي.
يؤكد هيلبرغ، الذي يتمتع بخبرة سابقة في شركة بالانتير تكنولوجيز ومنتدى هيل آند فالي، أن هذه المبادرة تمثل استراتيجية “أولاً أمريكا” تهدف إلى تعزيز الأمن القومي والاقتصادي للولايات المتحدة، وليس مجرد رد فعل على تصرفات الصين. ويشير إلى أن الدول المشاركة في المبادرة تدرك الإمكانات التحويلية للذكاء الاصطناعي وتسعى للاستفادة منها.
في الختام، تمثل هذه المبادرة الأمريكية جهدًا دبلوماسيًا واقتصاديًا هامًا لتعزيز سلاسل التوريد الحيوية لتقنيات المستقبل. من خلال التعاون مع حلفائها، تسعى الولايات المتحدة إلى تأمين مكانتها الريادية في مجال الذكاء الاصطناعي وتقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد المفرط على الصين. ويتوقع أن تؤدي هذه الجهود إلى تعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي في الدول المشاركة، فضلاً عن تعزيز الأمن القومي للجميع.












