ندوة الأنباء مكافحة التدخين تتطلب تضافر كل الجهود الوطنية

في زمن تتسارع فيه التغيرات وتزداد فيه الضغوط الاجتماعية والنفسية على الشباب، برزت ظاهرة التدخين بأشكالها المختلفة من السجائر إلى الشيشة كأحد أخطر التحديات التي تهدد صحة جيل كامل ومستقبله. لقد تحول التدخين من عادة ينظر إليها كتصرف فردي إلى مشكلة اجتماعية واسعة، تغذيها ثقافة الموضة، وتأثير الأصدقاء، والمحتوى الإعلامي، وتوسع المقاهي التي تستهدف المراهقين بشكل غير مباشر. وقد أصبحت السجائر والشيشة، بكل أنواعها التقليدية والإلكترونية، جزءا من مشهد يومي يتكرر في المقاهي، المدارس، والجامعات، حتى كادت تتحول إلى عادة اجتماعية «عادية»، رغم خطورتها الشديدة على صحة جيل كامل وعلى مستقبل مجتمعنا بأكمله.
وبات من الضروري اليوم، أكثر من أي وقت مضى، فتح نقاش حقيقي وشفاف حول حجم الخطر، وآليات مواجهته، والمسؤوليات المشتركة بين الأسرة والمدرسة والإعلام وصناع القرار. ومن هنا بادرت «الأنباء» إلى عقد هذه الندوة لوضع واحدة من أهم القضايا الصحية والاجتماعية تحت الضوء: مخاطر التدخين بين الشباب والمراهقين.
أبعاد مشكلة التدخين في الكويت
أكد المشاركون في الندوة أن ظاهرة انتشار التدخين، لاسيما بين فئة الشباب، ليست بالأمر الجديد، بل تعود إلى زمن بعيد بسبب الفائدة الكبيرة التي تعود على الشركات من بيع تلك السلعة. وعندما تتحول صحة الإنسان إلى سلعة، تكون الشركات المصنعة لديها ولع في بيعها لأكبر عدد ممكن من البشر، خاصة فئة الشباب. كما أن القائمين على بيع هذه السلع استفادوا من الإعلام لنشرها، وتمكنوا من إقناع العاملين في الإعلام بالترويج للتدخين في الأفلام والمسلسلات والصحف والمجلات، فضلاً عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في العصر الحديث.
أضرار التدخين الصحية والنفسية
أوضح رئيس مجلس إدارة الجمعية الكويتية لمكافحة التدخين والسرطان، د. خالد الصالح، أن مادة التبغ التي أساسها النيكوتين لها قدرة عجيبة على الإدمان وهي مضرة للإنسان، خاصة في مرحلة التطور والنمو. وأشار إلى أن النيكوتين يبعث مضارًا كثيرة على تطور الدماغ، مما يجعل المدخنين الشباب منحرفين وغير قادرين على التنافس في مجال العلم. وأضاف أن السيجارة الواحدة تحتوي على 7000 مادة كيميائية، منها 70 مادة مسرطنة، بالإضافة إلى مواد سامة مثل النيكل والرصاص التي تؤدي إلى تسمم الجسم.
من جانبه، أكد أستاذ علم النفس بكلية التربية الأساسية، د. ناصر السهو، أن التدخين يرتبط باضطرابات نفسية كبيرة، مثل الاكتئاب والفصام واضطراب ثنائي القطب. وأشار إلى أن المدخنين يلجأون إلى السجائر كنوع من الهروب من المشاكل والضغوطات، معتقدين أنها توفر لهم ملاذاً آمناً نفسياً مؤقتاً. وأضاف أن ضعف الرقابة الأسرية يلعب دوراً كبيراً في اختلال سلوك الأبناء، وأن التربية هي مسؤولية مشتركة بين الوالدين.
دور الأسرة والمدرسة في مكافحة التدخين
شددت رئيسة قسم متابعة الحالات الفردية المتخصصة في إدارة الخدمات الاجتماعية والنفسية بوزارة التربية، شذى المري، على أهمية التركيز على التوعية والوقاية وتعليم الأبناء قول «لا» وتعزيز مناعتهم النفسية. وأشارت إلى أن المناهج الجديدة تهتم بذلك، وأن الوزارة تعمل على تشكيل جماعات مدرسية مختصة بالتوعية من أضرار التدخين والمخدرات.
الجانب القانوني والبيئي لمكافحة التدخين
أوضحت رئيس قسم رصد السواحل – ضابط قضائي بيئي بالهيئة العامة للبيئة، مراحب النصار، أن القانون يمنع التدخين نهائياً بكل أنواعه، وأن شرطة البيئة تطبق المخالفات مباشرة. وأشارت إلى أن القانون يمنع الإعلان عن التدخين، وأن هناك عقوبات صارمة على المخالفين. وأكدت أن القانون يمنع التدخين في أي مكتب إداري داخل جهات العمل الحكومية أو الخاصة.
انتشار التدخين بين طلاب الجامعات والشيشة الإلكترونية
كشفت الندوة عن أن 46% من طلبة جامعة الكويت مدخنون، وأن الشيشة الإلكترونية أصبحت «موضة» بين الشباب. وأشار المشاركون إلى أن هناك مفاهيم خاطئة منتشرة بين الشباب، مثل الاعتقاد بأن الـ«فيب» أقل ضرراً من السجائر التقليدية.
توصيات الندوة
أكد المشاركون أن حماية الشباب مسؤولية مشتركة تتطلب وعياً وتدخلاً مبكراً وحلولاً واقعية مستدامة. ومن أبرز التوصيات التي خرجت بها الندوة:
- إطلاق حملات توعية إعلامية موجهة للشباب بمخاطر التدخين.
- إدراج برامج التوعية والوقاية داخل المدارس والجامعات.
- توفير مراكز دعم للإقلاع عن التدخين.
- تشديد الرقابة على بيع منتجات التبغ والشيشة الإلكترونية للقصر.
- تفعيل دور الأسرة وتعزيز الوصاية الوالدية.
- تطبيق قانون منع التدخين بحزم.
الخلاصة
إن مكافحة التدخين تتطلب تضافر جهود جميع أفراد المجتمع، من الأسرة والمدرسة والإعلام وصناع القرار. يجب علينا أن ندرك أن التدخين ليس مجرد عادة فردية، بل هو مشكلة اجتماعية خطيرة تهدد صحة جيل كامل ومستقبل مجتمعنا. من خلال الوعي والتثقيف والوقاية، يمكننا أن نحمي شبابنا من الوقوع في براثن الإدمان ونبني مستقبلاً صحياً ومزدهراً للجميع.












