اخبار التقنية

“هواوي” بعد 5 سنوات من عقوبات أميركا.. كيف صمدت؟

بعد مرور أكثر من خمس سنوات على فرض عقوبات تكنولوجية صارمة على شركة “هواوي”، تقف الشركة اليوم على مفترق طرق حاسم. فبين قدرة صمود استثنائية، ومنافسة عالمية شرسة، لا تزال بعض المناطق حول العالم تعتمد بشكل كبير على تقنياتها. هذه المقالة تتناول وضع هواوي بعد 5 سنوات من العقوبات الأمريكية، وكيف تمكنت من إعادة ترتيب أوراقها، والتحديات التي لا تزال تواجهها في سعيها للبقاء والازدهار.

بداية الأزمة: من الإنذار المبكر إلى العقوبات الشاملة

بدأت بوادر الأزمة مع تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي عام 2012، والذي سلط الضوء على ممارسات “هواوي” المثيرة للجدل وعلاقاتها المحتملة بجيش التحرير الشعبي الصيني. اعتبر هذا التقرير بمثابة إنذار مبكر دفع الشركة إلى اتخاذ خطوات استباقية لتنويع مصادر دخلها، مع التركيز بشكل خاص على السوق المحلية الصينية.

لكن الوضع تصاعد بشكل كبير في 16 مايو 2019، عندما أدرجت وزارة التجارة الأمريكية “هواوي” وشركاتها التابعة في “قائمة الكيانات المحظورة”. هذا الإجراء منع الشركة من الوصول إلى التكنولوجيا والبرمجيات الأمريكية الحيوية، مثل خدمات جوجل ونظام أندرويد، دون الحصول على ترخيص حكومي خاص. كان لهذا القرار تأثير عميق على قدرة “هواوي” على المنافسة في الأسواق العالمية.

التحول الداخلي: تعزيز السوق المحلية وتطوير البدائل

على الرغم من التحديات الهائلة، لم تستسلم “هواوي”. بدلاً من ذلك، ركزت الشركة على تعزيز مكانتها في السوق الصينية، والاستثمار بكثافة في البحث والتطوير لتطوير بدائل للتكنولوجيا الأمريكية المحظورة. وقد انعكس هذا التحول في أرقام الإيرادات، حيث شهدت الإيرادات المحلية نمواً ملحوظاً بينما تراجعت الإيرادات العالمية.

السنة الإيرادات المحلية (مليار دولار) الإيرادات العالمية (مليار دولار) نسبة الإيرادات المحلية نسبة الإيرادات العالمية
2017 45.2 44.2 %50.5 %49.5
2018 56.2 52.7 %51.6 %48.4
2019 73.45 51 %59 %41
2020 84.77 44.4 %65.6 %34.4
2021 64.4 34.6 %65 %35
2022 60.3 35.6 %63 %37
2023 67.3 33.27 %67 %33
2024 86.7 34.8 %71.3 %28.7

المصدر: التقارير السنوية الرسمية لـ”هواوي” (2017–2024). ملاحظة: القيم محوّلة إلى الدولار حسب سعر الصرف الرسمي نهاية كل عام.

آراء الخبراء: صمود وتكيف في مواجهة العاصفة

يشير أحمد بانافع، أستاذ الهندسة وأمن الشبكات في جامعة ولاية سان خوسيه الأمريكية، إلى أن هواوي أظهرت قدرة ملحوظة على التكيف والصمود. فقد تمكنت الشركة من بناء قدرات تصنيع شرائح محلية، واستعادة صدارة سوق الهواتف في الصين، مع توسع في أسواق آسيا والشرق الأوسط. ومع ذلك، فقدت الشركة نفوذها في أوروبا وأمريكا الشمالية، وتعرضت للحرمان من التقنيات المتقدمة.

عاصم جلال، استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في “جي آند كيه”، يشارك هذا الرأي، مؤكداً على قوة الأداء الداخلي للشركة مقابل ضعفها في الأسواق الخارجية. ويشير إلى قفزة الإيرادات بنسبة 22.4% في 2024، ونجاح هواتف “Mate 60” بفضل شريحة “Kirin 9000S”. لكنه يوضح أيضاً أن الأرباح العالمية تراجعت بنسبة 28%، وأن حصة الشركة في السوق العالمية انخفضت إلى 4% فقط.

التحديات المستمرة: الفجوة التكنولوجية والمخاوف الأمنية

على الرغم من التقدم الذي أحرزته “هواوي”، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجهها. يرى دكستر ثيلين، محلل رئيسي للتكنولوجيا والاتصالات في “إكونوميست إنتليجنس يونيت”، أن الشركة أصبحت أضعف عالمياً بسبب عدم قدرتها على الوصول إلى متجر “جوجل بلاي” وحظرها في العديد من الأسواق الغربية.

تتعلق المخاوف الأمنية المحيطة بـ هواوي بمسائل التجسس المحتملة، وانتهاكات الملكية الفكرية، وارتباط الشركة بالقوانين الصينية التي قد تلزمها بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات. هذه المخاوف دفعت العديد من الدول إلى حظر معدات “هواوي” في شبكات الجيل الخامس، مما أثر بشكل كبير على مكانة الشركة في سوق معدات الاتصالات المحمولة.

مستقبل “هواوي”: استقلالية تكنولوجية أم بقاء محدود؟

تسعى “هواوي” جاهدة لتحقيق الاستقلالية التكنولوجية عن الغرب، من خلال الاستثمار في البحث والتطوير، وتطوير نظام تشغيلها الخاص “HarmonyOS”، وإنتاج رقائقها الخاصة. وقد حصلت الشركة على دعم كبير من الحكومة الصينية في هذا المسعى، بما في ذلك القروض والتسهيلات الائتمانية والإعفاءات الضريبية.

ومع ذلك، لا تزال هناك فجوة تكنولوجية كبيرة بين “هواوي” والشركات الغربية الرائدة، مثل “كوالكوم” و”أبل”. ففي حين أن هذه الشركات قادرة على إنتاج رقائق متطورة بتقنية 3 نانومتر، فإن “هواوي” لا تزال تعتمد على تقنية 7 نانومتر.

تشير التقديرات إلى أن محاولات “هواوي” لتحقيق الاستقلالية التكنولوجية ترفع تكلفة تصنيع الشرائح محلياً بنسبة تتراوح بين 20% و35%، وتخفض عوائد الإنتاج بنسبة تتراوح بين 40% و50%.

هل يمكن تكرار نموذج “هواوي”؟

يعتقد الخبراء أن استراتيجيات “هواوي”، مثل رفع الإنفاق على البحث والتطوير والتنويع عند الأزمات، يمكن أن تكون مصدر إلهام للشركات الناشئة في الأسواق الصاعدة. ومع ذلك، فإن عوامل نجاح “هواوي” فريدة من نوعها، وتشمل السوق الصينية الهائلة، والدعم الحكومي الكبير، والبنية التصنيعية الوطنية.

في الختام، يمثل وضع هواوي بعد 5 سنوات من العقوبات الأمريكية قصة معقدة عن الصمود والتكيف في مواجهة التحديات الهائلة. على الرغم من الصعوبات، تمكنت الشركة من الحفاظ على مكانتها في السوق الصينية، وتطوير بدائل للتكنولوجيا الأمريكية المحظورة. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجهها، بما في ذلك الفجوة التكنولوجية والمخاوف الأمنية. يبقى أن نرى ما إذا كانت “هواوي” ستتمكن من تحقيق الاستقلالية التكنولوجية الكاملة، واستعادة مكانتها كلاعب رئيسي في السوق العالمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى