توافق مصري جزائري على أهمية استدامة وقف النار في غزة وحل الأزمة الليبية

وقع كل من مصر والجزائر، يوم الأربعاء الماضي، على حزمة واسعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تعزز التعاون الثنائي بين البلدين في قطاعات حيوية متعددة. هذه الخطوة تأتي في إطار الحرص المستمر لقيادتي البلدين على تطوير العلاقات الاستراتيجية، وتعكس توافقاً كبيراً في الرؤى والمواقف تجاه القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والأزمة في ليبيا. هذا التطور الهام يعكس قوة العلاقات المصرية الجزائرية وأهميتها في صياغة مستقبل المنطقة.
توقيع اتفاقيات شاملة وتعزيز التعاون الثنائي
أشرف على مراسم التوقيع كل من الوزير الأول الجزائري سيفي غريب ورئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بحضور وزراء ومسؤولين رفيعي المستوى من كلا البلدين. الهدف الرئيسي من هذه الاتفاقيات هو تعميق وتوسيع نطاق التعاون في مجالات اقتصادية وثقافية وسياسية، بما يخدم المصالح المشتركة لشعبي البلدين.
أشار رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، خلال كلمته، إلى الأهمية البالغة للتشاور والتنسيق المستمرين بين مصر والجزائر في ظل التحديات الإقليمية والدولية المتزايدة. كما أكد على تطابق الرؤى حول العديد من القضايا المصيرية التي تشغل المنطقة بأسرها.
القضية الفلسطينية والوضع في غزة: رؤية موحدة
تعتبر القضية الفلسطينية من الركائز الأساسية للسياسة الخارجية المصرية والجزائرية. وجدد الجانبان تأكيدهما على أهمية إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، عاصمتها القدس الشرقية، مع الالتزام بقرارات الشرعية الدولية.
كما توافق الجانبان على ضرورة تفعيل الخطة التي اعتمدها مجلس الأمن مؤخرًا، والتي تركز على الحفاظ على وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وبدء المرحلة الثانية من التعافي وإعادة الإعمار. هذا التوافق يعكس التزام مصر والجزائر بدعم الشعب الفلسطيني، والسعي نحو تحقيق سلام عادل ودائم في المنطقة.
دعم الحل السياسي الليبي – الليبي
فيما يتعلق بالأزمة الليبية، أكدت مصر والجزائر على دعمهما القوي للمسار السياسي الليبي – الليبي، باعتباره الحل الأمثل والأكثر استدامة لتحقيق الاستقرار والأمن في ليبيا. وشدد الطرفان على أن الحل يجب أن ينبع من الشعب الليبي نفسه، دون أي تدخل خارجي أو فرض لأي أجندات خارجية.
وأشار مدبولي إلى أن مصر والجزائر تعملان بتنسيق وثيق لحث الأطراف الليبية على التوصل إلى اتفاق سياسي شامل، يضمن وحدة ليبيا وسيادتها، ويحمي مصالح جميع الليبيين. التعاون في الملف الليبي يمثل بعداً محورياً في الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
اتفاقيات ومذكرات التفاهم: تفاصيل التعاون
تنوعت الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بين مصر والجزائر، وشملت العديد من القطاعات الحيوية. من أبرز هذه الاتفاقيات:
- مذكرة تفاهم في مجال الاعتماد: بين الهيئة الجزائرية للاعتماد والمجلس الوطني للاعتماد بمصر، بهدف تعزيز التعاون في مجال تقييم المطابقة وضمان جودة المنتجات والخدمات.
- التعاون في مجال الإسكان والتنمية العمرانية: تهدف إلى تبادل الخبرات والمعرفة في مجال التخطيط العمراني وبناء المدن المستدامة.
- التعاون في المجال الزراعي: بين المدرسة الوطنية العليا للهندسة الزراعية الجزائرية ومركز البحوث الزراعية المصرية، لتبادل الخبرات والتعاون في مجال البحوث الزراعية.
- التعاون في المجال القانوني والنيابي: من خلال مذكرة تفاهم بين وزارة العلاقات مع البرلمان الجزائرية ووزارة الشؤون النيابية والقانونية المصرية.
- التعاون في قطاع الشباب والرياضة: تم توقيع اتفاقية تعاون في مجال الشباب، وبرنامج تنفيذي للتعاون في مجال الرياضة، بهدف تعزيز التعاون في هذه المجالات، وتبادل الخبرات والبرامج الشبابية والرياضية.
- التعاون في المجال الثقافي: تم توقيع برنامج تنفيذي للتعاون في مجال الثقافة، ومذكرة تفاهم بين أوبرا الجزائر والمركز الثقافي القومي في دار الأوبرا المصرية.
- مذكرات تفاهم أخرى: شملت مجالات الأرشيف، التنمية المحلية، المعارض والتصدير، الحوار المالي، تحول الطاقة والطاقات الجديدة والمتجددة، حماية المستهلك، الإدارة والوظيفة العامة، التعليم الجامعي.
نحو آفاق أوسع في التبادل التجاري المصري الجزائري
أكد رئيس الوزراء المصري على الحاجة الماسة لزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، بما يرتقي إلى مستوى العلاقات التاريخية الوثيقة التي تربطهما. وأشار إلى أن حجم التبادل التجاري شهد نمواً ملحوظًا في عام 2024، حيث بلغ حوالي مليار دولار، بنسبة ارتفاع قدرها 18%.
كما لفت إلى توجيهات القيادة السياسية في مصر والجزائر بضرورة العمل على زيادة هذا الحجم ليصل إلى نحو 5 مليارات دولار خلال السنوات القليلة القادمة. ويعد تطوير وتسهيل الاستثمار بين مصر والجزائر محوراً أساسياً لتحقيق هذا الهدف.
مصر تتطلع لمشاركة خبراتها مع الجزائر
أشار مدبولي إلى الجهود الكبيرة التي بذلتها مصر خلال السنوات العشر الماضية في بناء دولة حديثة، من خلال تطوير البنية التحتية، وتحسين مناخ الاستثمار، وتعزيز دور القطاع الخاص. كما أكد على حرص مصر على مشاركة هذه الخبرات مع الأشقاء في الجزائر، خاصة في مجالي الصحة والتعليم، حيث تمتلك مصر تجربة ثرية يمكن الاستفادة منها.
في الختام، تُعد هذه الاتفاقيات ومذكرات التفاهم خطوة هامة نحو تعزيز وتطوير العلاقات المصرية الجزائرية في مختلف المجالات، وتحقيق المصالح المشتركة لشعبي البلدين. إن هذا التعاون الوثيق بين مصر والجزائر يمثل قوة دافعة نحو تحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة، ويدعم الجهود المشتركة لمواجهة التحديات التي تواجهها. من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة مزيداً من التعاون والتنسيق بين البلدين، في إطار الرؤية المشتركة لقيادتهما نحو مستقبل أفضل.












